تونس والجزائر إلى انتخابات رئاسية مضمونة النتائج
بلدان عربيان متجاوران يستعدّان لتنظيم انتخابات رئاسية، فما الذي يُميّز بينهما؟ البلد الأول الجزائر، الذي قرّر فيها الرئيس عبد المجيد تبّون تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها في 7 سبتمبر/ أيلول المقبل. ورغم عدم صدور بيان رسمي عن الأسباب التي أدّت إلى تغيير الموعد، انطلقت الاستعدادات عملياً للشروع قريباً في الحملة الانتخابية بعد توالي المُرشّحين في تسجيل أسمائهم رسمياً. ويبدو أن حظوظ تبّون هي الأوفر في الفوز، رغم دخول أقدم حزب معارض في البلاد، جبهة القوى الاشتراكية، السباق، فالذي يُمسك بمؤسّسات الدولة عادة ما يفوز في بلداننا. لكن ما يلفت الانتباه السماح بمشاركة رئيس حركة مجتمع السلم، عبد العالي حسّاني. وبقطع النظر عمّا حصل داخل هذه الحركة من صراعات وانقسامات، يعطي القبول بوجود إسلامي ضمن المتسابقين انطباعاً عن طبيعة التفكير الذي يُراد تسويقه داخلياً في هذه المرحلة، فالرئيس تبّون نظّم حواراً وطنياً شاركت فيه معظم الأطراف، بعد حراك شعبي استمر حوالي سنة، وشمل معظم مدن البلاد، وكان يُنتظر أن يسفر عن تغيير جذّري في البلاد، وقد حرص شخصياً على مشاركة حركة السلم في هذا الحوار رغم اعتراضها على دستور 2020، ورفضها، أيضاً، المشاركة في الحكومة، وهو عرضٌ قدّمه لها بعد انتخابات 2019.
البلد الثاني الذي يفترض أن تجرى فيه انتخابات رئاسية قبل نهاية العام تونس. وخلافاً للجزائر، تبدو الصورة غامضة، فالموعد لم يُحدّد بشكل نهائي، ولا يُعرف مَنْ سيُسمح له بالمشاركة، ومَنْ سيُمنع من حقّه في الترشّح. وهناك جدل قانوني ودستوري بين الرئيس قيس سعيّد والمعارضة بشأن تغيير بعض قواعد اللعبة في أثناء المشاركة فيها. من جهة أخرى، وخلافا للحالة الجزائرية، تتأكّد النيّة، يوماً بعد يوم، في إقصاء حركة النهضة بالخصوص، رغم أنّ قيادتها أعلنت عدم مشاركتها في الانتخابات، والتزمت عملياً بعدم توسيع دائرة المواجهة مع السلطة، وتمسّكت بخطاب هادئ، وابتعدت عن التحريض والتصعيد. ومع ذلك، يتعرّض زعيمها راشد الغنّوشي، بالخصوص، إلى حملة إعلامية وسياسية، تحمل في طيّاتها نيّة الابقاء عليه في السجن مدّةً قد تطول. إذ يجري الحديث حالياً عن وثائق عُثر عليها في منزله خلال إيقافه، قبل أكثر من سنة، تتضمّن، حسب ما قيل، "خطّة للالتفاف على الحكم". وهو ما نفاه محاموه. كذلك الشأن بالنسبة لجميع المُتّهمين السياسيين وسجناء الرأي، حيث لا مُؤشّر إلى احتمال إطلاق سراحهم، أو على الأقلّ تحسين ظروفهم في السجن، إشارةً رمزيةَ نحو تغيير المناخ الذي ستُجرى خلاله الانتخابات. تغيب، أيضاً، المبادرات السياسية، التي تسبق عادةً المحطّات الرئيسية التي تمر بها تونس.
أعلن أمين عام حزب "عمل وإنجاز" الذي انشقّ مؤسّسوه من "النهضة"، عبد اللطيف المكّي، احتمال مشاركة الحزب في الانتخابات الرئاسية، لكنّه ربطها بتحديد موعد واضح وصريح من رئاسة الجمهورية. لكنّ المشهد السياسي الراهن دفع كثيرين إلى الاعتقاد بأنّ الرئيس قيس سعيّد بصدد إعداد سيناريو يُمكّنه من الاستمرار في الحكم خمس سنوات أخرى، فهو لن يُزوّر النتائج، كما حصل في مرحلتي بورقيبة وبن علي، لكنّه بصدد التضييق من فرص الترشّح، ويُقصي، في الآن نفسه، كلّ من له قدرة على تعبئة الأنصار في انتخاباتٍ ستكون حاسمة، وذلك من خلال تعديل القانون الانتخابي، ومنع كلّ محكوم عليه في قضية ما أو وجّهت إليه تهمة سياسية. وبذلك يصبح الملعب خالياً من لاعبين وازنين.
المشكلة التي يعاني منها البلدَان (تونس والجزائر) تكمن في تفككّ المعارضة، وعدم قدرتها على رصّ الصفوف خلال المنعرج الانتخابي، نظراً إلى اختلاف الرؤى وتعدّد العوائق وغياب البرامج، فموقعك داخل الدولة هو الذي يصنع منك الرئيس، ويجعلك صاحب برنامج، ويمكّنك من إخضاع منافسيك. وعندما تغيب شروط الديمقراطية أو تتقلصّ، تتدخّل عوامل مُتعدّدة لتكييف المشهدين، السياسي والاجتماعي، ليُختار من تستجيب قدراته للقوى المُهيمنة على الدولة.