حاشية بشأن "الطلياني"
له دلالته في قراءة واقع النشر والكتابة والتلقي والجماهيرية أن هذه الرواية هي الأولى لصاحبها، غير الروائي أصلاً، وقد نالت هذا التقدير العربي الخاص، بعد تقديريْن في بلدها الذي تسرد عنه حكاياتها المتوالدة من بعضها، وتطوف على راهنه وبعض ماضيه، وتطل على إشكالات اجتماعية وسياسية فيه. والأوضح في هذا الأمر أن القارئ العربي الجديد (هل تجوز التسمية؟) مدعو إلى التحرر، عند قراءة الروايات والنصوص، من سلطة أسماء كتابها وذيوعها. ولا أجدني محرجاً هنا، إن كتبتُ أن المرة الأولى التي أقع فيها على اسم شكري المبخوت (53 عاماً)، كانت لمّا تضمنت قائمة "بوكر" الطويلة رواية الطلياني، بل إن صديقنا رئيس لجنة التحكيم، الشاعر مريد البرغوثي، سمعنا منه أن اسم هذا الكاتب التونسي النابه لم يكن قد وصل إليه، قبل مطالعته روايته بين نحو 180 رواية تنافست على الجائزة.
أبهجنا المبخوت في حفل "بوكر" بمرحه، وبإهدائه فوزه إلى زملائه الخمسة الذين نافسوه، وبدت شخصيته المرحة والمحبة كاشفة عن مثقفٍ مشغول بالحياة، ولعلّ جاذبية روايته تحققها تلك الانتباهات اللطيفة فيها إلى تنوّع الحياة، وكذلك السخرية الحاذقة في إدانتها السلطة، والأيديولوجيات، وكذا احتفاؤها بالحب، وإخلاصها لفكرة الفشل والخيبة والخسران. هذه، وغيرها، تحضر عندما تروح "الطلياني" إلى صراع بين إسلاميين ويساريين، وإلى الرقابة على الصحافة، وتصاريف غير قليلة من التسلّط. وذلك كله وغيره في سردٍ ينهض على توالي الحكايات من بعضها، مع اتكاء على مركزية الشخصيات الرئيسية فيها، ولا سيما البطل المركزي، عبد الناصر، الموصوف بالطلياني، وكذلك المحبوبة ثم الزوجة ثم الطليقة، زينة، التي ترى نفسها حرة في نقد اليسار واليمين، وثمّة الراوي الذي ينجح شكري المبخوت في اللعب سردياً من خلاله في مناورة الكتابة ومغامرتها، وإنْ بأفقٍ كلاسيكي بعض الشيء.
وحدها القراءة الحرّة المتخففة من أي حساباتٍ ومسبقات، سوى الرغبة بالوقوع على متعة الحكي، تجعلك ترى "الطلياني" (دار التنوير، بيروت)، روايةً ناجحة، وإنْ لم ترضك هِناتٌ هيّناتٌ هنا وهناك فيها، أو إنْ لم تقنعك مواقع ومواضع فيها. لا أظننا، لولا "بوكر"، كانت مناسبة ستسنح لمطالعتنا هذا العمل، وهذا هو الأهم من أي كلام.