حذاء مستعمَل
قصة اعتبرها كثيرون طريفة، جرت أحداثها في عمّان، وانتهت في إحدى المحاكم الأردنية. أقدم مراهق أرعن على تحطيم زجاج سيارة متوقفة في الشارع أمام منزل صاحبها، ونبش محتوياتها وسرق بعض المتفرقات، منها حذاء رياضي مستعمل. ولفرط حماقته، لم ينتبه إلى وجود كاميرات في المنطقة، ما سهّل إمكانية القبض عليه، وإحالته إلى القضاء، كي يتلقى العقوبة الرادعة، بعد أن قدّم الضحية شكوى جزائية بحقه، لكن الرجل الشهم قرّر إسقاط حقه الشخصي، ما من شأنه تخفيف العقوبة إلى حدّها الأدنى، سيما إذا لم يكن الفعل مكرّرا. فعل ذلك لوجه الله، في استجابة كريمة منه لتوسط أهل الخير. ولعله أحسّ بالشفقة على اللص الصغير، ورغب في منحه فرصة ثانية، كي يدرك جسامة فعلته، فيقوّم سلوكه، ويعود إلى جادّة الصواب. ولعل السيارة كانت خاضعةً للتأمين الشامل، أو ضد الغير، ما جعله مطمئنا إلى إمكانية حصوله على تعويض مناسب، سيما أن الخسائر المترتبة على فعل الاعتداء كانت محتملة، إذا استثنينا الأذى النفسي الحاصل جرّاء الإحساس بالانتهاك وعدم الأمان. وحين تم استدعاء المشتكي إلى محكمة جزاء عمّان للشهادة في القضية المنظورة، كما تستدعي الأصول القانونية، فوجئ القاضي بالمتهم صحبة والده، متقدّما إلى قاعة المحكمة بخطى واثقة، منتعلا الحذاء المسروق ذاته!
أثار الأمر استهجان القاضي، من غرابة سلوك السارق، بل وحماقته، ما يدل على مدى استهتاره وانعدام إحساسه وقلة إدراكه تبعات الأمور. كان في وسع المشتكي، والحال هذه، إبلاغ القاضي بذلك، غير أنه قرّر ألا يفعل، ومضى في إجراءات إسقاط الحق الشخصي، واكتفى بالتقاط صورة للحذاء المسروق، ينتعله اللص. ويبدو من الوضعية التي اتخذها أن الصورة التُقطت له بإرادته، ربما خوفا أو خجلا، أو حتى رغبة في الاعتذار والتكفير عن الذنب. نشر صاحبنا الصورة على صفحته على "فيسبوك"، معلقا، في نهاية المنشور الذي يسرد الواقعة، إنها مبكية مضحكة.
حين تتأمل تفاصيل هذه القصة التي تبدو بسيطة وغير مؤذية، تخلص إلى أكثر من احتمال. إما أن الفتى محدود الذكاء إلى درجة الحضور إلى المحكمة مرتديا المسروقات، وهي الدليل الدامغ على فعلته، أو أنه مجرد مراهق مهزوز الشخصية، عديم الثقة بذاته، منبوذ من المجموع، يرغب في إثارة انبهارهم وكسب صداقتهم، وهم مجرد رفاق سوء غير أسوياء، ينظرون، في العادة، بعين الإعجاب إلى فعلة كهذه، ويعتبرون مقترفها مغامرا شجاعا، يستحق لقب الزعامة.
لم يشرح الخبر الذي بثته مواقع إخبارية محلية الوضع المعيشي لعائلة الفتى، وهل هي معدمة، إلى ذلك الحد المتدني الذي بلغ بالصبي إلى ارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون، من أجل حذاء مستعمل ملقى في سيارة محكمة الإغلاق. أيا كان الأمر، القصة على الرغم من الجانب الطريف فيها هي بمثابة تحذير لأولياء الأمور الغافلين عن أبنائهم من المراهقين المعرّضين، بكل سهولة ويسر، إلى التغرير بهم واستدراجهم إلى دروب الانحراف والجريمة، وتأكيد على ضرورة انتباههم إلى ما يحدث في حياة هؤلاء، بالتقرّب منهم ومحاورتهم والاستماع إلى همومهم، ومحاولة حل مشكلاتهم، وكبح جماح رغبتهم في التمرّد على سلطة المجتمع التي لم تقدّم لهم سوى الإحباط والغضب. وكثيرا ما دفع بعضهم حياته مجانا، فراح ضحية طعنة سكّين في مشاجراتٍ داميةٍ، تحدث لأسباب في غاية السخافة، ومنهم من خسر فرصه في العلم والعمل، وأصبح موصوما بقيد جرمي مشين، واعتبره المجتمع غير الرحيم شخصا مشبوها خارجا على القانون، لا يستحق سوى الزج في السجن.
كل التقدير لذلك الرجل الكريم الذي صفح وعفا عند المقدرة، وحمى الله أبناءنا في هذا الزمن الصعب، وجنبهم مصيرا مظلما لن يؤدي بهم إلا إلى الضياع وفقدان الأمل، وقد يحدث ذلك على أهون سبب.