حرب إسرائيلية مفتوحة على لبنان
بات لبنان هدفاً في حرب مفتوحة، تشنّها إسرائيل، لا تشبه حربيها الكبيرتين السابقتين ضد منظمّة التحرير الفلسطينية عام 1982، وحزب الله عام 2006. وتعكس العمليات التي تجري منذ قرابة عشرة أيام أن هذه الحرب من النمط الهجين، الذي يمزج بين الأسلوبين الكلاسيكي والحديث لجهة استخدام الطيران الحربي بكثافة، بالإضافة إلى التقنيات الإلكترونية والذكاء الاصطناعي. وتفيد التصريحات الاسرائيلية الرسمية بأن هناك مفاجآت عدّة غير التي استخدمتها في تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي يومي 17 و18 من سبتمبر/ أيلول الجاري، وكان غرضها إخراج جزء من قوة الحزب من المعركة وإحداث حالة من البلبلة داخل صفوفه. ومهما يكن من أمر، طغى الجانب الكلاسيكي على عمليات هذا الأسبوع، حيث تولى الطيران الحربي الإسرائيلي مهاجمة أهداف لحزب الله في الجنوب والبقاع وبيروت، وردّ الحزب باستخدام جزءٍ من ترسانته الصاروخية باتجاه أهداف إسرائيلية بعيدة عن خط المواجهة التقليدي، لكن التفاوت في الأضرار مرتفع جداً، وتكبر المسافة بسرعة من خلال العدد الكبير للنازحين اللبنانيين.
يبدو من المبكّر تكوين صورة واضحة عن الاتجاه العام الذي سوف تأخذُه الحرب، وحتى الإفراط باستخدام القوة، وتوجيه الضربات الموجعة لقيادات حزب الله وجسمه العسكري لا يشكّل على المدى المنظور مؤشّراً بحدّ ذاته، لكن التدمير الواسع وإيقاع إصاباتٍ كثيرة في صفوف المدنيين، هما الهدفان المنشودان من استخدام الطيران الحربي بكثافة، وفي ذلك استنساخٌ واضحٌ لسيناريو الحرب على قطاع غزّة. وهذا لا يحقق ما طرحته إسرائيل من هدفين للحرب، تأمين عودة سكان المستوطنات الحدودية، وفك الارتباط مع جبهة غزّة. ويبدو واضحا أن الهدف الفعلي للعمليات العسكرية يتجاوزهما من حيث الشكل والمضمون، لأنها منذ البداية أخذت شكل الحرب الشاملة، التي تذهب نحو تصفية حسابٍ مع حزب الله، وليس سرّاً أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ومعه تيار واسع، يرى أن الفرصة سانحة اليوم لتغيير موازين القوى في الشمال والقضاء على خطر حزب الله نهائياً، بوصفه أحد أدوات المشروع الإيراني في الشرق الأوسط.
تجمع القراءات العسكرية على أن التدمير وقتل المدنيين لا يحققان الأهداف المعلنة وغير المعلنة للحرب. ولذا احتمال التقدم البرّي في جنوب لبنان وارد جداً، بذريعة إنشاء حزام عازل يُبعد خطر حزب الله. وفي هذه الحالة، ستأخذ الحرب المسار نفسه الذي سلكته في غزّة، ومن غير المستبعد أن تصل إلى النتائج ذاتها سياسياً وعسكرياً، وقد لا يطول الوقت حتى تباشر إسرائيل ذلك، ولا سيما أن مسؤولين عديدين تحدّثوا عن خطط عملانية جرى وضعها والمصادقة عليها. لكن هذا لا يعني أن الطريق معبّد أمام الجيش الإسرائيلي، وهو في الأحوال كافة لن يواجه مقاومة أقلّ من التي وجدها في غزّة، وسيخوض حرباً معقدة جداً على جبهة قتال طويلة مفتوحة، تمتدّ من جنوب لبنان حتى الجولان، حيث يحتفظ حزب الله بعدة آلاف من المقاتلين في سورية، لن يتأخّر عن زجهم في المعركة، كما أن هناك احتمال وصول نجدات كبيرة من المليشيات التابعة لإيران في سورية.
لا مؤشّرات إلى أن نتنياهو يمكن أن يتراجع، وكان لافتاً أنه بدأ الحرب الشاملة يوم الثالث والعشرين من شهر سبتمبر/ أيلول الحالي، في تزامن مع بدء أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعد يوم من اجتماع مجلس الأمن بشأن لبنان، في ظل موقف أميركي لا يختلف كثيراً عما كان عليه في الحرب على غزّة، وصدرت عدة تصريحات أميركية رسمية بأن الولايات المتحدة لن تتوانى عن دعم إسرائيل سياسياً وعسكرياً، وباشرت إرسال قوات للشرق الأوسط من أجل ذلك.