حرب المناخ: خاتمة كلّ الحروب
مع أنّ الأخبار العالمية تكاد تقتصر في الصيف الحالي على الغزو الروسي لأوكرانيا وتداعياته على أسعار الطاقة وتعثّر سلاسل التوريد، فضلاً عن تأثيره التعاقبي على الجغرافية السياسية في أوروبا ثم العالم، إلا أن أنباء الجفاف والحرائق والفيضانات طغت على ما عداها في القارّة القديمة خصوصاً، وفي أقاليم أخرى في العالم، تحديداً الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وضاعفت الحرب في أوكرانيا التأثيرات السلبية على المناخ، تحديداً لجهة عزم ألمانيا على استخدام الفحم الحجري لإنتاج الطاقة.
كان العالم يعلم، ومنذ عشرات السنين، أقلّه منذ "قمّة الأرض" في ريو دي جانيرو البرازيلية في عام 1992، أنّ أولوية المناخ يجب أن تتصدّر جدول أعمال بلدان الكوكب، غير أن الأنانيات المتصلة بشعاراتٍ برّاقة ظلّت ترمي الملف المناخي جانباً. يُمكن اعتبار هذا السلوك نوعا من النقص في التفكير السياسي. تتقاطع معظم الدراسات حول التغير المناخي والاحتباس الحراري عند حتمية ارتفاع درجة حرارة الأرض في العقود المقبلة، حتى إنّ توقعاتٍ كان يُمكن أن تتحقق بعد نصف قرن أقله، بدأت بالتحقق في أيامنا الحالية. مصير مرعب ينتظر الكوكب، سواء أآمن العالم أم لم يؤمن بالتأثير البشري على المناخ.
وبما أن التبدّلات المناخية لم تعد مجرّد تحليل، بل أمر واقع، يتوجب منطقياً استخدام استراتيجيات لمكافحتها والحدّ من أضرارها. وإذا كان نظام أو سلطة في أي بلد غير قادر على مجاراة التحوّل في الأولويات، حينها يجب أن يتنّحى أو يُدفع إلى التنحّي، إفساحاً في المجال لغيره كي يعمل على جبهة المناخ. هذا في المنطق. عالمنا غير منطقي. كيف يُمكن، من الآن فصاعداً، التفكير بمرحلة ما بعد "الانتصار" في أي حرب عسكرية، من دون إيلاء إفرازات التغير المناخي الاهتمام الأقصى؟ حسناً، ماذا لو استمرّت أي حرب فترة طويلة زمنياً، مكرّسة، في الوقت نفسه، حالة انتظارية لدى المجتمعات المُقاتلة، على قاعدة "الآن، لا صوت يعلو على صوت البندقية، وحين تنتهي الحرب نتحدث".
هنا، لا أحد يعلم متى تنتهي الحرب، والانتظار يصبح فعل انتحار للمجتمعات المحاربة، والجمود يمنع حركية نموّ الدول والشعوب. حينها، يُصبح أي انتصارٍ بمثابة هزيمة ساحقة، كونه مع تقدّم السنوات، وفي غياب استراتيجيات لمواجهة التغيرات المناخية، ستصل إلى "الانتصار"، في حال بلغته، منكسراً. ماذا ستفعل حينها في ظلّ نقص الموارد الطبيعية، من ماء وغذاء، بالتوازي مع النموّ الديموغرافي، لمعالجة هذا الأمر؟ كيف سيسرع المنتصر، إذا اعتبرنا أن المهزوم لا خبز له على الكوكب، في بناء نظامٍ لمواجهة التغيرات المناخية في وقتٍ يكون قد فات الآوان فيه؟
وإذا كان القادة، الذين تجاوزوا سن الـ60 أو الـ70 عاماً، ولن يشهدوا على ما سيحصل بعد 40 و50 عاماً، يعتقدون أنّ الحياة تقف عندهم و"من بعدي الطوفان" إذا، لماذا على الشباب، خصوصاً من هم في عشرينات عمرهم، أن يقاتلوا في سبيل انتصار عسكري، ثم يعيشوا في ذلّ قد يصل إلى حد الموت من العطش أو من الجوع، في سنوات 2050 و2060 و2070 مثلاً؟
لماذا يرفض الجميع التطرّق إلى مأساة المناخ، في وقتٍ أصبحت فيه عبارة "الطبيعة تغيّرت"، أو ما شابهها، على لسان معظم سكان الأرض؟ المسألة لا تتعلق بشتاءٍ أقسى من غيره أو بصيف أشدّ حرارةً من غيره. ترتبط القضية بكلّ يوميات الحياة وتفاصيلها، من اللحظة التي نستيقظ فيها إلى ساعة النوم. طبعاً، سيتجاهل قادة الأمم هذه التفاصيل، لأنّ صوت البندقية عالٍ، إلّا أن الانقراض السادس الذي تهرول إليه البشرية كقطار من دون مكابح، يلوح في أفقٍ منظور لا "في مستقبل بعيد". يتوقف الانتصار هنا على فهم جوهر معركة الكوكب مع المناخ، وتكييف التفكير السياسي وفقاً لهذه المعركة. هنا ستُصبح الحياة أفضل.