حزب الله والفراغان الرئاسيان
لا يشعر حسن نصر الله بحاجة ماسّة إلى الحديث بتوسّع عن فراغ موقع رئاسة الجمهورية في لبنان والذي بدأ قبل 24 يوماً. آخر مرة خطب عنه كان في مناسبة "يوم الشهيد" في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي. يومها، في خطابه الطويل، وضع موضوع رئاسة الجمهورية والفراغ في آخر مرتبة من مراتب كلمته، بعد الانتخابات الإسرائيلية أولاً، وانتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي ثانياً، ثم الرئاسة اللبنانية وفراغها ثالثاً وأخيراً. حدّد شروطه ومواصفاته للرئيس المقبل، بكثير من الشعبوية على طريقة "نريد رئيساً لا يخاف إذا صرخوا عليه في السفارة الأميركية". ذلك حرام، أما أن يكون رئيساً يضفي الشرعية على هيمنة إيران على لبنان، فهذا تعريف الحلال.
ويوم أمس، 22 نوفمبر، ذكرى استقلال لبنان، لم يخطب نصر الله طبعاً، وهو لم يسبق أن فعل ذلك، فهذا التاريخ لا يعني له الكثير، وإن عنى، فهو يحيل إلى كل سوء يخطر ببال ممانعي العقل والتفكير حيال فكرة لبنان: بلد مصطنع غير جدير بنيل استقلاله بما أنه لم يتحقق بسيل من الدماء. ويختلف تعاطي حسن نصر الله مع فراغ رئاسي وآخر، بشكل جذري. بين ميشال سليمان وميشال عون، فراغ دام عامين ونصف العام (بين مايو/ أيار 2014 وأكتوبر/ تشرين الأول 2016) بأمر من نصر الله نفسه. في الفراغ الأول، كان ظهور نصر الله مكثفاً لتهديد خصومه بشعار: ميشال عون وإلا فلن يكون هناك رئيس. في تلك الفترة كان حزب الله بحاجة فعلاً إلى مكافأة حليف أعطى مشروعية طائفية مسيحية لكيان ديني طائفي مسلح تابع لدولة أجنبية قلباً وقالباً. كان بحاجة إلى قطع الطريق أمام قائد الجيش جان قهوجي، جنّد الحزب آلاته الإعلامية كافة آنذاك ليخبر اللبنانيين أن الأخير مرشّح السفارة الأميركية. لم يكن هناك انهيار اقتصادي في حينها، وكان مشروع ضبط سعد الحريري طارئاً. الثورة السورية لم تكن قد ذُبحت بعد، وكان حزب الله في عزّ تورّطه وتوريط لبنان في قتل الشعب السوري. كل الظروف حتّمت على حسن نصر الله تعطيل انتخاب من لا يكون اسمه ميشال عون. أما اليوم، فعديدة هي الأسباب التي ترجّح ألا يكون حسن نصر الله في وارد استعجال ملء الفراغ، ربما هذه بعضها: ــ الصراع على موقع الرئاسة هو بين حليفين حدّ التبعية لحزب الله، وتفضيل حسن نصر الله سليمان فرنجية على جبران باسيل، أو العكس، سيكلفه "زعلاً" من قليل الحظ لا يضمن تكلفته في بلد حساسياته الطائفية قد تخرج عن السيطرة في أي لحظة. ــ لا خصوم جديين اليوم يخشاهم حسن نصر الله، في ظل عدم تشكيل جبهة معارضة من خصومه التقليديين والنواب الـ13 "التغييريين". ــ معارضو حزب الله أحجموا عن ترشيح قياداتهم الرئيسية، ومرشّحهم، ميشال معوض، نائب ابن رئيس جمهورية (رينيه معوض) قتله النظام السوري تجد في سيرته السياسية أنه تحالف مع جبران باسيل عام 2018، نكاية بسليمان فرنجية. ــ قائد الجيش، جوزيف عون، فقد قطع الطريق باكراً على تحويل اسمه إلى موضوع يومي لخطابات حسن نصر الله عن "مرشح السفارة الأميركية"، وسرّب أنه غير مرشح. ــ انهيار البلد يتعامل معه حزب الله من خارج إطار الدولة كالعادة، من خلال إرضاء مريديه معيشياً بمنظومة اقتصادية ريعية موازية للاقتصاد اللبناني الرسمي. ــ حزب الله مطمئن للغاية إلى غياب أي احتمال جدي لحصول انتفاضة شعبية كثورة تشرين 2019 التي لا يزال نصر الله، كلما خطب، يخصّها بوجبة دسمة من التخوين والافتراء والشتم.
عام 2016، أجبر فائض قوة حزب الله، خصومه على تجرع السم وترشيح ميشال عون. سمير جعجع فعلها من منطلق طائفي مرضي خوفاً على المنصب الماروني الأول في البلد، ولكي لا يواصل رئيس الحكومة السني بـ"مصادرة" صلاحياته، وسعد الحريري ارتكب الترشيح انطلاقاً من وهم أخرق بإمكانية أن يكون ميشال عون الرئيس، غير ميشال عون ما قبل الرئيس.
اليوم، حسن نصر الله غير مضطر لأن يختار بين سليمان فرنجية وجبران باسيل. اهتمامه منصبٌّ على مكان آخر. هو أكثر من يعرف أن احتجاجات شابات إيران وشبانها هو الحدث اللبناني الأهم.