حكمة أن تتأمّل اسمَك
اسمك، ذلك الذي التصق بك مثل جلدك، أو ابتسامتك، أو ضحكتك، أو نكدك أو حظك أحيانا، اسمك ذلك الخفيف على لسان من سمّاك، فألصقه بك في لحظة دلالٍ وفخر، كي يتفاخر بك أو بجدّه أو عشيرته، أو بأسدٍ رآه في جبال اليمن حينما كان جنديا هناك، أو أي شيءٍ آخر.
اسمك ذلك الذي لازمك عمرا وما زال يلازمك في كل أوراقك وأملاكك البسيطة المعدودة أو شهادات نجاحك المتواضعة، وبه تعرف أو تنادى، سواء أكنت عبقريا أم رجلا عاديا أم تاجر جلود من "أرمنت"، أم رجلا بسيطا لا يمتلك سوى "دولاب شعرية"؛ يعمل به في مواسم حصاد القمح، وسواء أكان اسمك رامبو الذي جاب الآفاق وملأ أكثر من قرن بالمروق والحداثة، وكاد أن يموت مجهولا في عدن، لولا النهاية والمرض، فملأ قرنا بالكتب عنه والتعليقات، فقرأ الناس "رامبو وزمن القتلة"، وغيره وصار أيقونةً شعريةً لمائة سنة؛ مارق عبر شابّا من غرب جنوب أوروبا فارّا إلى جنوب الجزيرة العربية، فصنع لؤلؤة عذابه هناك، وأدخل إلى جسم الشعر هوسا لا يُنسى أبدا، وعاد بعذابات نهايته.
اسمك الذي صاحب فتىً يتيما من قريش، فكان محمدا صلى الله عليه وسلم، والذي ملأ البيوت فيما بعد على مدار أكثر من 14 قرنا بملايين الأسماء على اسمه نفسه، وصارت له المدائح والسير في ملايين المساجد ولهجت الألسنة باسمه في كل بلاد الله.
اسمك الذي كان حمّالا للعذاب والصبر بعد مقتل أربعة أخوة لها، فكانت هي "الخنساء"، وكان الشعر على لسانها داميا وحزينا وأنيسا مع ذلك المُصاب الجلل، وحفظتها كتب العرب، وصارت أيقونة لصبر العربية على مصابها.
اسمك الذي صاحب الشعر، فكان محمد إقبال، وصاحب الرواية، فكان نجيب محفوظ، وصاحب "الكرمة"، فكانت "كرمة ابن هانئ" وواحة المتعة والقريض والمجالسة، وانطلاق صوت الغناء من بين شفتي أم كلثوم حائرا، وظلّ الشاعر هناك حائرا في أمر تفسير الفم والملامسة، بالقول: "هل لامست فاها؟"، ومال طربوش فتى جميل فوق شعر الحاجب وغنّى، فكانت انطلاقة محمد عبد الوهاب، والذي تمّت محاولة عسكرة حنجرته، بعدما تنازل عن الطربوش للأيام، وما عاد الحاجب يفتن الغزالات في "عش البلبل"، فكان هو اللواء محمد عبد الوهاب، فماذا تركت الحروب، والدبابات، على جبين الفنّ سوى ندوب التأميمات، والاستحواذ جبرا على ورود الفن بمسمّياتٍ ثقيلةٍ بقصد مشاركة الجماهير عنوة في الاسم.
اسمك الذي صار في عالم العرب حمّالا للمروءة والكرم ومعزّة الضيف مهما كان بعيدا أو غريبا أو فقيرا أو غنيا، فكان حاتم الطائي وقد صار مضربا للأمثال في الكرم في وديان العرب والواحات والسكك وأطراف القرى البعيدة الموحشة، حتى وإن سكنتها الوحوش أو قطّاع الطرق واللصوص والقتلة أو من يهرب من العدالة أو الدم أو الثأر، وتوالدت في الليل الأسماء كأدهم الشرقاوي أو خط الصعيد" أو بدران، فكانت الحكايات والمواويل حتى وإن مال الاسم إلى العشق والغناء كما في "حسن ونعيمة"، وكأن سيرة بني هلال هي الأخرى تتفرّع منها فسائل أخرى للغناء والعشق والترحال وراء الرزق والمواويل وجمع أطراف السير.
اسمك الذي جاءك سهوا ليلا أو نهارا من بين شفتي أم أو أب أو خال أو عمّ أو جدّة اشتاقت لسيرة والدها، فألصقته بك وأنت ما زلت مشبوكا بالمشيمة، فحملت ما لا تحتمله من هموم وأفضال لا تستطيع تحمّل تبعاتها في دنيا تتغيّر في كل يوم وليلة.
اسمك الذي إن ذكر في "مندبة" كرّت دموع الأرامل له إن كان لك ذلك الباع في الشجاعة مثل عنترة العبسي، أو إن كان يحمل في سيرته ذنب خيانة "كبدران صديق أدهم الشرقاوي"، أو قاتل في الفجر غدرا بعد صلاة "كابن ملجم"، أو كان من حرفين ليّنين وعذّب العشّاق من أصحاب الأقلام في الشرق، كميّ زيادة، ووزّعت هي الأخرى من كبدها رحيقا للأقلام، أو أعطت من قبلاتها لكل من يشتهي، كولّادة بنت المستكفي، في عزّ صولجان العشق بالأندلس، ذلك الاسم الذي يمشي وراء كل حيٍّ أو ميّت كغمامة تغطّيه، مرّة خلال عمره، ومرّات من خلال التوالد في الكتب أو المجالس.