حيّ مقدسيّ يعاني نقصَ المياه
تحوّلت قرية كفر عقب، في شمال القدس، مدينةً مكتظّةً بالسكّان، من دون أيّ نوع من التنظيم. الفوضى ناتجة عن وضع القرية الفريد، وهو أنّها خلف الجدار الذي وضعه الاحتلال، ولكنّها قانونياً تابعة لمدينة القدس، ما يُوفّر لمن يسكن فيها الحماية من خسارة الإقامة في مسقط رأسه.
أصبحت كفر عقب مكانَ إقامة عشرات آلاف من الفلسطينيين المقدسيّين، الذين عليهم، بحسب قانون الاحتلال، دفع كامل الضرائب البلدية، لكنّهم لا يتمتّعون بالخدمات البلدية كما يتمتّع بها المستوطنون اليهود في مساكن قريبة منهم. ومع السنوات، تحوّلت كفر عقب مخبأً للمجرمين، ومقرّاً لتجّار المخدّرات، كما انتشر السلاح غير المُرخّص بحوزة العصابات المُجرمة، وزادت عمليات الابتزاز والتهديد. الشرطة الفلسطينية ممنوعة من دخول المنطقة باعتبارها تابعةً للاحتلال، ولكنّ المُحتلّ غير مُهتمّ بما يجري في كفر عقب، باستثناء ما له علاقة بمقاومة الاحتلال.
في الأسابيع الماضية وصلت أزمة المياه في كفر عقب إلى وضع غير مسبوق، إذ تقلّصت أيّام وصول المياه إلى يومَين في الأسبوع
إضافة إلى ذلك كلّه وأكثر، ما يقلق السكّان في كفر عقب الخدمات الأساسية مثل جمع القمامة، ومعالجة الشوارع، التي تصبح أنهراً عند أول سقوط للأمطار، وطبعاً مشكلة نقص مياه الشرب. أسطح المساكن عالية الارتفاع، أو ما يسميها السكّان بالأبراج، مليئة بعبوات المياه التي يُخزَّن ما يصل إلى المنازل من مياه الشرب والاستخدام المنزلي، ولكن تلك العبوات لم تعد تكفي حاجة السكّان. يشرح أحد سكّان كفر عقب، محمد عويضات، الأزمة بالقول: "إذا سمحنا للأطفال بغسل أيديهم بانتظام، فسنفقد الماء لدينا بسرعة".
في الأسابيع الماضية، وصلت أزمة المياه إلى وضع غير مسبوق، إذ تقلّصت أيّام وصول المياه إلى يومَين في الأسبوع، وهذا غير كافٍ لسدّ حاجات السكّان رغم وجود العبوات، فكمّية المياه التي تصل لا تكفي، وموجات الحرّ الشديد أَفرغت ما تبقّى في العبوات على الأسطح، ما اضطرّ السكّان لشراء الماء من حافلات تجارية بأسعار خياليّة. وهذه ليست المرّة الأولى التي تنشأ فيها هذه المشكلة. حتّى صيف عام 2017، لم تُترك لسكّان كفر عقب مياه الشرب إلا يومَين في الأسبوع. قبل أربع سنوات، أرسل سكّان كفر عقب رسالةً إلى رئيس بلدية القدس موشيه ليون، يطالبون فيها بأن تتحسّن حياتهم، وفيها: "نخاطبكم باسم أكثر من 70 ألف مواطن مقدسي يسكنون أحياء منطقة كفر عقب شمال مدينة القدس (سميراميس، كفرعقب، وأحياء المطار). ونطلب منكم والجهات الرسمية تقديم خدمات جديدة لمنطقة كفر عقب التابعة رسمياً لمنطقة خدمات بلدية القدس، التي يسكنها أكثر من 70 ألف مواطن مقدسي يحملون الهُويّات المقدسيّة وعائلاتهم. وندعوكم إلى تحمّل المسؤولية تجاه السكّان، وتقديم الخدمات البلدية الكاملة للمنطقة وتطويرها، والعمل على إيجاد حلول عملية نوعية لضمان حياة كريمة وآمنة للسكّان، على النحو الذي ينصّ عليه القانون".
حاولت الجهات الرسمية الإسرائيلية وضع اللوم على سلطة المياه الفلسطينية التي تُزوّد كفر عقب بالماء، ولكنّ الأخيرة ردّت وبسرعة من خلال بيان صحافي أوضحت فيه أنّ سبب نقص توفير المياه بكفر عقب هو تقليص شركة ميكوروت الإسرائيلية، المُزوّدة الوحيدة للمياه، ما توفّره للجانب الفلسطيني.
ووفقاً لمسؤولين في كفر عقب، توفر شركة ميكوروت بـ3500 متر مُكَعَّب من أصل 11 ألف متر مُكَعَّب التي يحقّ للسكان الحصول عليها و يحتاجونها. وفي خضمّ استمرار الاحتلال في حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني في غزّة، تبنّت مؤسّسات حقوقية إسرائيلية عدّة قضية نقص مياه كفر عقب، فقامت بحملات إعلامية، قارنت فيها كمّية المياه المتوفّرة للمستوطنين اليهود في مقابل النقص غير الطبيعي لما يوفّر لسكّان كفر عقب، رغم أنّ القانون الإسرائيلي مسؤول عن الطرفَين اللذيْن يدفعان الضرائب البلدية والحكومية.
يعتبر بعض سكّان كفر عقب أنّ مشكلة حيّهم والأحياء الأخرى خلف الجدار العنصري هي من مُخلّفات اتفاق أوسلو سيء الصيت
رافقت الحملة رسائل من محامي المؤسّسات الحقوقية يطالب بمعالجة الموضوع، فقد أرسل محامي جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل (ACRI) رسالةً عاجلة، في 23 يونيو/ حزيران 2024، إلى كلّ من وزير الطاقة والبنية التحتيّة، ورئيس سلطة المياه والصرف الصحّي، ورئيس بلدية القدس. وجاء في الرسالة "إنّ حقيقة أنّ السكّان في إسرائيل، في القرن الحادي والعشرين، يضطرون إلى شراء المياه من مصادر غير مُنظّمة، وبأسعار غير منتظمة، وتخزينها على أسطح منازلهم، تشكّل شهادة فقر لأيّ جهة مسؤولة عن قطاع المياه...في كلّ صيف، يُبلّغ سكان الحي عن نقص المياه، من دون جدوى. وفي الصيف الحالي، حطّم الإهمال، الذي اتّسمت به معاملة السلطات سكّان الأحياء الفلسطينية الواقعة خلف جدار الفصل العنصري، رقماً قياسياً جديداً. التخلّي عنهم، رغم أنّه ينتهك بشدّة حقّهم في الحياة والكرامة والمساواة والصحّة، أمر غير قانوني، ويجب وضع حدّ له على الفور، مع إيجاد حلّ يتيح الاستئناف العاجل لإمدادات المياه".
أفاد سكّان كفر عقب بأن كمّية وتكرار وصول المياه إلى منازلهم تحسّنا أخيراً، ولكنّ المشكلة لم تحلّ جذرياً. يعتبر بعضهم أنّ مشكلة كفر عقب والأحياء الأخرى خلف الجدار العنصري هي من مُخلّفات اتفاق أوسلو (1993) سيء الصيت. لكن، من دون أيّ محاولة لتعديل أو تغيير الوضع القانوني لمئات آلاف المقدسيين، يبقى الوضع غير مقبول وينذر بالانفجار.