خريطة الانتحار في برّ مصر
تأتي حالة انتحار الشاب المصري سامح محمد، أخيرا، والذي كان يدرس في كلية فيكتوريا في الإسكندرية، وترك رسالة عن تخلصه من حياته قبل أن يقفز من نافذة منزله، فقد كتب عبر صفحته في "فيسبوك": "أدعولي ربنا يسامحني، مبقتش قادر أتحمل أكتر من كده"، لتلقي الضوء على تزايد حالات الانتحار في مصر بشكل واضح، رأسيا عبر شرائح مجتمعية وعمرية مختلفة، وأفقيا في أغلب المحافظات، وبشكل خاص في محافظات القاهرة الكبرى باعتبارها الأكبر في عدد السكّان، ثم محافظات الوجهين، البحري والقبلي، بشكل أقل. وقد باتت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة دافع مصريين كثيرين إلى اتخاذ هذا القرار الصعب، الذي تتنازعه عدة عوامل نفسية واجتماعية وشخصية للفرد، ومدى استعداده لتحمّل الظروف المحيطة به. ولا تقتصر أسباب تزايد الظاهرة على ضعف الجانب الديني لدى من يُقدمون على الانتحار كما يردّد كثيرون، بل ثمة أيضا غياب الثقة بالمستقبل وعدم وجود حلول فردية أو جماعية. وهناك البعد الاقتصادي، بسبب صعوبات المعيشة، التي امتدّت إلى قطاعات أخرى من الطبقة الوسطى كانت تحظى بمستوى معقول حتى سنوات قريبة. ومنها ما يرجع إلى تزايد الخلافات الزوجية والعائلية، التي تعود في كثير منها إلى أسباب مالية.
ووسط ذلك كله، تأتي فئة الشباب الباحث عن طريق تحقيق الذات بشعور متصاعد بالقلق على وضعه الاجتماعي والاقتصادي، كأحد القطاعات الرئيسية في اللجوء لحالات الانتحار (18 ـ 40 عاما). وهناك ميل متزايد إلى الانتحار لدى الفئات التي لم تتجاوز مرحلة الطفولة (18 عاما فأقل)، وخصوصا بين طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية. وتؤكّد الإحصاءات تزايد هذه الظاهرة بين قطاعات العزّاب، ثم المتزوجين، وتزيد معدّلاتها بشكل أكبر بين الذكور بنسبة الثلثين في أغلب الأوقات. ووفقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية الصادر عام 2019، فإن أكثر من نصف المنتحرين دون سن 45 عاما، وفي فئة الشباب الذين أعمارهم بين 15 و29 عاماً. ومصر في المرتبة الأولى عربيا، تليها السودان ثم اليمن فالجزائر، وبلغت الحالات 3799 و3022 عامي 2016 و2019، على التوالي في مصر وفقا للمنظمة.
وقد تبنّى مجلس الوزراء المصري مبدأ التهوين والإنكار، مشيرا، في بيان له، إلى إحصاءات للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والتي ذكرت أن 69 حالة وقعت في عام 2017 فقط. واعتبر الجهاز أن "كل ما يتردّد في هذا الشأن (بخصوص زيادة معدلات الانتحار) شائعات تستهدف النيل من الاستقرار المجتمعي". وتتناقض تلك الإحصائيات مع التقارير الدولية والمحلية وواقع ما تنشره الصحف والمواقع المصرية نفسها لحالات الانتحار، والتي تعتمد على محاضر الشرطة. كما تتناقض مع الأعداد الحقيقية التي يمكن الوصول إليها عبر تقارير وزارة الصحة وأقسام الشرطة التي تسجل هذه الحالات يوميا وبشكل دوري. وقد سجلت التقارير الحقوقية المختلفة وصول معدّل الحالات المنشورة في الصحف إلى ما بين 25 ـ 50 حالة شهريا، وهي ليست كل الحالات الحقيقية التي تحدث بالفعل. كما توضح تقديرات شبه رسمية داخلية من المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية المصري بلوغ عدد حالات الانتحار 2584 عام 2021.
عدد الذكور الأعلى في حالات الانتحار، حيث بلغ 123 حالة، وهو ما يقترب من ضعف عدد الإناث تقريبا بنسبة 66.12%
ورصد تقرير حديث للمؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان بلوغ حالات الانتحار 186 حالة من إبريل/ نيسان إلى سبتمبر/ أيلول 2022، وجاءت أعلى النسب في شهر يونيو/ حزيران بـ43 حالة بنسبة 23.11%، ثم شهر يوليو/ تموز بـ39 حالة بنسبة 20.96%، ثم شهر أغسطس/ آب بـ36 حالة بنسبة 19.35%، بينما جاءت أكبر النسب انخفاضا في أشهر سبتمبر/ أيلول ومايو/ أيار وإبريل/ نيسان بـ25، 22، 21 حالة، بنسب 13.44%، 11.82%، 11.29%، على التوالي.
ويبدو أن عدد الحالات يسجّل معدلا أكبر في فصل الصيف عن باقي الفصول الأخرى، حيث بلغ في يونيو/ حزيران ـ يوليو/ تموز ـ أغسطس/ آب 118 حالة بنسبة 63.4%، وهو ما يشير إلى أن طبيعة الحرارة المضافة إلى أن الدافع الرئيسي قد تكون أحد العوامل المحفزة لارتكاب الانتحار.
القاهرة والجيزة في الصدارة
جاءت محافظة القاهرة في الترتيب الأول بـ48 حالة بنسبة 25.8%، تليها محافظة الجيزة في المركز الثاني بـ34 حالة بنسبة 18.27%، في الترتيب الثالث، جاءت محافظة القليوبية بـ14 حالة بنسبة 7.52%، وفي المركز الرابع، جاءت محافظة الشرقية بـ12 حالة بنسبة 6.45%، تليها محافظتا المنوفية وسوهاج بـ11 حالة لكل منهما بنسبة 5.91%، تليها في المركز الخامس محافظة كفر الشيخ بـعشر حالات بنسبة 5.37%، وجاءت محافظة الدقهلية بتسع حالات بنسبة 4.83%، ثم محافظة الغربية بسبع حالات بنسبة 3.76%، ثم محافظة الفيوم بـست حالات بنسبة 3.22%، تليها محافظات المنيا، أسوان، مرسى مطروح، بأربع حالات بنسبة 2.15%، تليها محافظة الإسماعيلية بثلاث حالات بنسبة 1.61%.
عموما، سجلت محافظات القاهرة الكبرى الثلاث موقع الصدارة بما يزيد على ضعف حالات الانتحار المسجلة في باقي المحافظات، بمعدل 96 حالة بنسبة 51.61%، تليها محافظات الدلتا، مضافةً إليها محافظة الإسكندرية بـ52 حالة بنسبة 27.95%. وفي المركز الثالث، جاءت محافظات الوجه القبلي بمعدل 30 حالة بنسبة 16.12%، تليها محافظات القناة في الترتيب الأخير بأربع حالات بنسبة 21.5%. وجاءت محافظتا الشرقية والمنوفية ضمن أعلى المحافظات في الوجه البحري. وفي الوجه القبلي، دخلت محافظة سوهاج مركز الصدارة منفردة بـ11 حالة بنسبة 36.6%، تليها بفارق كبير محافظة الفيوم بست حالات بنسبة 20%.
لا تقتصر أسباب تزايد ظاهرة الانتحار على ضعف الجانب الديني لدى من يُقدمون على الانتحار كما يردّد كثيرون، بل ثمة أيضا غياب الثقة بالمستقبل وعدم وجود حلول فردية أو جماعية
يذكر أن محافظتي سوهاج والفيوم ضمن المحافظات التي تسجل إحصاءات متدنية في نسبة الفقر، فقد جاءت سوهاج في المركز الثاني بين محافظات الوجه القبلي بعد أسيوط، حيث تقع 236 قرية في سوهاج تحت خط الفقر، وهي نسبة بلغت 87% من قرى المحافظة، وكلتاهما محافظتان طاردتان للسكان. وفي ريف الوجه البحري، سجلت معدلات الفقر 22.56% عام 2020، وفقا للجهاز المركزي للإحصاء، حيث جاءت محافظتا كفر الشيخ والشرقية بمعدل عال للانتحار، وهما محافظتان معروفتان بنسبة كبيرة في محاولات الهجرة غير الشرعية، ما يؤشر إلى العلاقة الطردية بين معدلات الفقر واللجوء إلى الانتحار. وتقل نسبة الفقر في محافظة بورسعيد كأقل محافظات الجمهورية عند 7.6% عام 2018، وهو ما يمكن أن يفسّر قلة تلك الحالات فيها.
وتُمكن الإشارة أيضا إلى أحياء شعبية قاهرية، تكتظ بالسكان، هي الأكثر من مثيلاتها في أحياء المطرية، المرج، عين شمس، البساتين، الدرب الأحمر، مصر القديمة، دار السلام، جنبا إلى جنب مع أحياء الصفوة، المعادي، حلوان، مدينة نصر، التجمع الخامس. وفي الجيزة، تنتشر تلك الحالات من الشمال إلى الجنوب في الأحياء الأكثر فقرا، والمكتظة بالسكان، مثل أوسيم، الوراق، العمرانية، كرداسة، العياط.
من الناحية النوعية، كان عدد الذكور الأعلى في حالات الانتحار، حيث بلغ 123 حالة، وهو ما يقترب من ضعف عدد الإناث تقريبا بنسبة 66.12%، على مستوى تصنيف الحالة الاجتماعية، جاء غير المتزوّجين في المركز الأول بـ86 حالة بنسبة 46.23%، يليهم المتزوجون بـ29 حالة بنسبة 15.59%، ثم المطلقون والمنفصلون والأرامل بـ11 حالة بنسبة 5.91%، ثم "الخاطب/ة " بثلاث حالات بنسبة 1.61%، فيما لم تتبين الحالة الاجتماعية لـ57 من الحالات بنسبة 30.64%.
الرجال يفضلون الانتحار شنقا
جاء الانتحار شنقا أعلى الوسائل المستخدمة في المرتبة الأولى بـ73 حالة بنسبة 39.24%، يليه تناول قرص سام كالذي يستخدمه الفلاحون في مكافحة الحشرات في أثناء الزراعة، أو مبيد حشري، أو أقراص دوائية زائدة، في المرتبة الثانية بـ46 حالة بنسبة 24.73%، يليه في الترتيب الثالث الانتحار بالقفز من طابق عالٍ في منازل المنتحرين أو من مبانٍ تابعة لأماكن عامة بـ31 حالة بنسبة 16.6%، يليه الانتحار غرقا في مجرى مياه النيل بـ15 حالة بنسبة 8.06%، بينما في الترتيب الخامس، الانتحار بإطلاق النار على النفس بثماني حالات بنسبة 4.3%، ثم الانتحار حرقا بخمس حالات بنسبة 2.68%. وبالتساوي معه، يأتي الانتحار أمام قطارات السكك الحديدية وميترو الأنفاق، يليه الذبح بسكين وقطع الشرايين بحالتي انتحار بنسبة 1.07%، ويأتي أخيرا تناول جرعة مخدرات زائدة، الحقن بحقنة هواء، بحالة انتحار واحدة بنسبة 0.53%.
ميل متزايد إلى الانتحار لدى الفئات التي لم تتجاوز مرحلة الطفولة (18 عاما فأقل)
وكانت الوسيلة المفضلة للانتحار للإناث: تناول قرص سام أو مبيد حشري أو أقراص دوائية بـ27 حالة من إجمالي 46 بنسبة 58.69%. بينما جاء الانتحار شنقا في الترتيب الثاني بـ14 حالة من اجمالي 73 بنسبة 19.17%، ثم القفز من مكان عالٍ بسبع حالات من إجمالي 28 بنسبة 33.3%. بينما كان الشنق الوسيلة المفضلة للذكور بـ59 حالة بنسبة 80.82%، يليه القفز من مكان عال بـ21 حالة بنسبة 75%، وفي الترتيب الثالث يأتي الانتحار بقرص حفظ الغلال أو كيماوي بـ19 حالة بنسبة 41.3%.
الطلاب والعمال في المقدمة
جاء الطلاب والطالبات بمراحلهم المختلفة في المرتبة الأولى بـ38 حالة انتحار، منهم ثمانية في المرحلة الجامعية بنسبة 33. 3%؛ يليهم تصنيف العامل، وربة المنزل، بـ17 حالة لكل منهما بنسبة 14.91%، ثم تصنيف الذين لا يعملون والعاطلين بـ12 حالة بنسبة 10.52%. وفي الترتيب التالي، يأتي كل من الموظفين، والممرضين/ات بثلاث حالات لكل منهما بنسبة 2.63%، يليهم "منتحرون أجانب، ميكانيكي" بحالتي انتحار بنسبة 1.75%. وفي الترتيب الأخير تصنيفات أخرى، منها الحاصلون على مؤهلات ولا يعملون (دبلوم متوسط، بكالوريوس خدمة اجتماعية، بكالوريوس نظم ومعلومات)، ومنهم العاملون في المهن الحرّة (صيدلانية، طبيبة أسنان، مهندس، مهندس زراعي، محاسب، مرشد سياحي، صحافي، مدرسة) و(صاحب شركة طيران، صاحب مزرعة، تاجر)، بالإضافة إلى مهن حرفية (نجار مسلح، حلاق، سمسار عقارات، ترزي ملابس، جزار)، وتصنيف فرد أمن بحالة انتحار لكل نوع بنسبة 0.87%، في حين كان 72 منهم لم تتوفر معلومات حول نوعية عملهم بنسبة 38.7%.
معدّلات عالية للطلاب والشباب
جاءت أعلى المراحل العمرية الشريحة من 21 ـ 30 عاما بـ60 حالة بنسبة 32.25%، وكان أعلى معدل لها في شهري أغسطس/ آب ويونيو/ حزيران بـ18، 15 حالة على التوالي. وفي الترتيب التالي، جاءت الشريحة العمرية تحت الـ18 عاما، بـ47 حالة بنسبة 25.26%. وفي الترتيب الثالث، الشريحة العمرية 31 ـ 40 عاما بـ23 حالة بنسبة 12.36%. وفي الترتيب الرابع، الشريحة 19 ـ 20 عاما بـ19 حالة بنسبة 10.21%. وفي الترتيب الخامس، جاءت الشريحة 41 - 50 عاما بـعشر حالات بنسبة 5.37%، وفي الترتيب الأخير جاءت الشريحة 51 - 60 عاما بخمس حالات بنسبة.2.68%.
ويظهر أنه حتى سن الـ40 هناك 149 حالة انتحار بنسبة 80.1%، وهو مؤشّر خطير للغاية، يشير إلى معدل انتحار كبير لمن هم في مرحلتي الطفولة والشباب. ويجب أن يدقّ ناقوس الخطر لدى الحكومة المصرية، وأن توضع حلول قصيرة الأجل للتعامل مع هذه الظاهرة.
لماذا ينتحر المصريون؟
تنوعت أسباب الانتحار، فمنها الأزمة النفسية بشكل عام في الترتيب الأول بـ62 حالة بنسبة 33.3%، وهي عنوان عام يُشار إليه إعلاميا، بينما خلفه أسبابٌ كثيرة غير المنشورة، يليه الانتحار لخلافات عائلية أو أسرية بـ28 حالة بنسبة 15.05%. وفي المركز الثالث، تأتي الخلافات الزوجية بين الطرفين وخلافات ما بعد الانفصال الزوجي بـإجمالي 26 حالة بنسبة 13.97%، يليها في الترتيب الرابع الاكتئاب والأمراض النفسية بـ16 حالة بنسبة 8.6%، ثم تأتي أسباب لها علاقة بفشل الزواج والارتباط العاطفي بـ13 حالة بنسبة 6.98%، تليها في الترتيب أسباب خاصة بتزايد الديون بـ12 حالة بنسبة 6.45%، تليها أسباب ذات علاقة بالرسوب في سنوات التعليم بـ10 حالات بنسبة 5.37%، يليها سبب الحزن على وفاة صديق/ قريب بخمس حالات بنسبة 2.68%، تليه أسباب أخرى، منها اليأس من الشفاء والمرض بمرض معين، الفشل في الحصول على عمل، الخيانة الزوجية، التنمّر، بحالتي انتحار لكل منها بنسبة 1.07%، وتأتي في الترتيب الأخير أسباب أخرى، منها الإدمان على الخمر أو المخدرات، الوحدة والعزلة، لعبة الحوت الأزرق، اتهام المنتحر بالسرقة كذبا، التعرّض لابتزاز على "فيسبوك" بنشر صور، بمعدل حالة واحدة لكل منها بنسبة 0.53%.
جاء الانتحار شنقا أعلى الوسائل المستخدمة في المرتبة الأولى بـ73 حالة بنسبة 39.24%
وهناك ظواهر مستحدثة في تلك الحالات، أهمها: أولا، الانتحار بشكل علني عبر شاشات البث المباشر لوسائل التواصل الاجتماعي أو كتابة رسائل بنوايا الانتحار على منصة "فيسبوك"، وهو ما جرى رصده في عدد من الحالات. وتعتبر الرسائل المتروكة في الانتحار شرحا لأسباب القرار، ووصية بآخر ما يطلبه المنتحر ممن يراهم أسبابا في اللجوء لهذا الحل.
ـ اللجوء إلى الانتحار في أماكن عامة ومفتوحة للجمهور، وأشهرها برج القاهرة، وعدد من الكباري (الجسور) الرئيسية في محافظتي القاهرة والجيزة، أو داخل المجمّعات التجارية الكبرى، أو استخدام أعلى البنايات الحكومية، وهو ما يمثل رسائل إضافية من المنتحر موجّهة إلى الأسرة، والتي تحملهم مسؤولية غياب الدعم النفسي له، وموجّهة كذلك إلى الجمهور والأجهزة الرسمية، بجعلهم شهودا على حالة المنتحر، وإشراكهم في المسؤولية عما آلت إليه أموره الشخصية، وهو ما يؤشّر أيضا إلى غياب القنوات الرسمية في التواصل مع المواطنين، خصوصا في الحالات التي تمثل حالة الانتحار احتجاجا على سلوك حكومي، أو عجز عن حل مشكلات المنتحرين. وهناك عدة حالات ومحاولات انتحار عمّال جرت في أثناء اعتصامات عامي 2021، 2022 في شركتي يونيفرسال وبشاي للصلب.
ـ قيام المنتحر بأكثر من محاولة فاشلة، والإصرار على نية الانتحار وتكرارها حتى الوصول إلى النتيجة، ما يشير إلى غياب الاهتمام العائلي بالتعامل مع المنتحر وحل مشكلاته الأساسية.
ـ تنامٍ في تزايد الانتحار في أعقاب قيام المنتحر بجرائم قتل عائلية، وهو ما تفسّره تلك الحالة النفسية التي يصل إليها بعد عودة وعيه.
مسؤولية غائبة للدولة
يستبع ذلك وجود دور لأجهزة الدولة في التعامل مع آثار تلك الظاهرة، بدءا بالتحليل والرصد، مرورا بوضع حلول قصيرة وطويلة الأمد. وهناك مسؤولية كبيرة على عاتق الدولة بالأساس في معالجة الأسباب الحقيقية وراء تصاعد الظاهرة عموما، ولدى قطاع الشباب بشكل خاص. وهناك دور غائب رسمي في مواجهة هذه الظاهرة، حيث تكتفي أجهزة الدولة فقط بمحاولات التهوين من شأنها، أو بتجاهلها أو بالإشارة إلى أعداد غير حقيقية، تتناقض مع كل ما أشارت إليه التقارير المختلفة. ومنها حملات موسمية تقوم بها وزارتا الصحة والأوقاف، فضلا عن وضع المجلس الوطني للإعلام "كوداً" ملزماً لنشر حالات الانتحار. كما اكتفت صحف بالإشارة إلى خطورة الظاهرة في تغطياتها الصحافية تلك الحالات. أو تكرار الإشارة إلى بيانات النيابة العامة في شأن الفراغ النفسي ومسؤولية الأسرة في رعاية أبنائها المنتحرين.
لا توجد في مصر استراتيجية واضحة ومتكاملة لمواجهة حالات الانتحار
في النهاية، لا توجد في مصر استراتيجية واضحة ومتكاملة لمواجهة حالات الانتحار، تشارك فيها جميع وزارات الدولة، للتعامل مع تزايد هذه الحالات، في ضوء تزايد صعوبة الأوضاع المعيشية، وتوجّه الدولة عن التخلي عن مسؤوليتها في توفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، ومن أهمها الحق في الصحة والتعليم والعمل والحق في السكن، وغيرها.
وعلى ذلك، يجب أن تمتلك الدولة نظاما لتقييم هذه الحالات ورصدها جغرافيا، وأسبابها الاقتصادية والاجتماعية، وكيفية علاج مسبّباتها، سواء من خلال منظومة العلاج النفسي المبكر أو تطوير منظومة التعليم، خصوصا أن حالات انتحار كثيرة تحدث بسبب الرسوب في الامتحان وضعف المستوى. والتقليل من وسائل الانتحار، خصوصا بتناول حبّة "الغلة السامة" التي يتم اللجوء إليها لرخص ثمنها، واعتماد الفلاحين المصريين عليها في الزراعة في محافظات الوجهين، البحري والقبلي. واستخدام الكاميرات المختلفة في رصد أي سلوكيات غريبة لراغبي الانتحار. وهناك دور مهم في توفير فرص العمل والمسكن، فجوانب الأمر مركبة ومتداخلة، ومن ثم يجب أن يشمل الحل الأبعاد المختلفة الخاصة بالفرد والأسرة من النواحي النفسية والفردية والاجتماعية والثقافية وحاجاته الاقتصادية أيضاً.