خصوم طهران الذين يهوون الانتحار
حكام طهران كشفوها سريعاً: أميركا تهوى قصف سفارتها في بغداد. معروفٌ أن الأميركيين يحبون الانتحار أصلاً. الأمر واضح عند المسؤولين الإيرانيين: "هجمات (يوم) الأحد على السفارة الأميركية أمر مشكوك فيه للغاية في توقيتها وطبيعتها". قالها المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة بثقة في النفس يُحسَد عليها. لكن كيف توصل إلى هذه النتيجة؟ الأمر سهل: "البيان الصادر عن وزير الخارجية الأميركي (مايك بومبيو) قد أُعد قبل الهجمات"، والجواب لخطيب زادة نفسه، كاشف المؤامرات الذي يعمل بطريقة الصحافيين والمخابرات، فلا يكشف عن مصادره، ذلك أنه هو المصدر الأول والأخير لأوهام وخرافات تثير أسى كثيراً، وخوفاً أكثر.
يوحي كلام سعيد زادة بأن بيان بومبيو الذي يتهم فيه المليشيات التابعة لإيران، مفاجئ في مضمونه، على أساس أن أحداً لا يعرف من يحتل بسلاحه العراق ويعيّن حكومة ويقيل أخرى ويحدد العدو والصديق، ومن يغتال الناشطين ومن يقتل المتظاهرين ومن حلّ مكان داعش، ومن يفرض على العراق خيارات إيرانية، ومن نقل جرائمه إلى سورية ومن حول بلاد الرافدين إلى باحة إيرانية خلفية لتبادل الرسائل والصواريخ مع أميركا. اتهام بومبيو لمليشيات الحشد الشعبي مفاجئ حقاً، وكأن هناك عشرات الأطراف في بغداد تمتلك القدرة على قصف المنطقة الخضراء، وهو ما يجري بوتيرة شبه يومية من قبل مليشيات تتفاخر بأنها تأخذ أوامرها من مرشد السيد خطيب زادة. اتهام المليشيات مفاجئ، كأن حكام إيران لا يصمّون آذاننا صبحاً ومساءً بوعيد استهداف المصالح الأميركية بدءاً من العراق، وتحديداً سفارة الشيطان الأكبر.
قصف السفارة الأميركية في بغداد من قبل المليشيات إيرانية الولاء، تقليد زادت وتيرته منذ اغتيال قاسم سليماني صباح الثالث من يناير/ كانون الثاني الماضي، ثم ارتفع عدد الصواريخ أكثر بعد قتل المهندس النووي محسن فخري زادة الشهر الماضي. زعماء "كتائب حزب الله" العراقية، و"العصائب"، وبقية المليشيات التي تحلم بأن تصبح يوماً ما نسخة من الحوثيين أو من حزب الله ــ فرع لبنان، يحتارون بماذا يبررون هواية قصف السفارة منذ عام بلا أي إتقان. تارة تكون الحجة الانتقام المؤجل أبداً لقاسم سليماني ومعه فخري زادة، وتارة أخرى ضغطاً على أميركا لكي تسحب قواتها من العراق. في التبرير الأول غالباً ما يكون ثأراً من الشعب العراقي حصراً. وفي الاحتمال الثاني جدير تذكُّر كيف تزداد وتيرة القصف كلما نطق دونالد ترامب مستعجلاً الانسحاب من هذا البلد، فيزداد عدد الصواريخ المتساقطة. مع قليل من سوء النوايا، تكون الخلاصة المنطقية هي أن الصواريخ لا تستهدف إلا توسّل الأميركيين للبقاء في العراق.
ضروري تذكّر أن كل ضحايا الممانعة متيمون بالانتحار. أهالي الغوطة الشرقية وخان شيخون، ألم يقصفوا أنفسهم بالأسلحة الكيميائية ليظن العالم بأن النظام السوري والروس والإيرانيين وحزب الله هم الذين قتلوهم؟ السياسيون والصحافيون اللبنانيون المعارضون لحزب الله وللأسد قتلوا أنفسهم على الأرجح. من يدري، قد نكتشف في نهاية المطاف أن شركاء الملالي في إطاحة الشاه بعد "الثورة" شنقوا أنفسهم بأيديهم. خصوم كفرة فعلاً.
لو يدرك رموز محور الممانعة أفضال الصراحة وعيوب تصوير الخسارة انتصاراً إلهياً، لكانوا ارتضوا القول مثلاً إن مَن قصف السفارة مجموعات متمردة على قيادات المليشيات التي تصبّ في نبع واحد. لكانوا صمتوا على الأقل، لكانوا اكتفوا بإدانة رشقات الكاتيوشا التي أصابت مواطنين عراقيين وممتلكاتهم، بينما كانت تفجرها منظومات السفارة المضادة للصواريخ وهي في السماء. وحده مقتدى الصدر غلب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية في دهاء التحليل واقتراح الحلول. خاطب حكومة بلده من دون أن يرف له جفن: اعلنوا حالة الطوارئ وأنا على أتم الاستعداد للتعاون الأمني. السيد فهم القصة بالمقلوب. المطلوب يا سيد هو حلّ المليشيات، لا أن يتم تسليمها سلاح الجيش لكي تفرض هي حالة الطوارئ.