خليجنا في مهبّ العاصفة

03 نوفمبر 2024
+ الخط -

شاع انطباع رُوِّج غداة الهجوم الإسرائيلي أخيراً على إيران، واستهدف مواقع عسكرية فيها، أنّ خسائر إيران لم تكن كبيرة، وأنّ دفاعاتها تصدّت للهجوم، ما حدّ من الخسائر، وهو انطباع حمل بعضهم على وصف ما جرى بـ"مسرحية" متفق عليها بين الطرفين، بغية حفظ ماء الوجه، وبطريقةٍ لا تؤدّي إلى ردّ عسكريّ إيراني آخر. وهو، بالمناسبة، القول نفسه الذي رُدِّد عن الهجوم الإيراني السابق على إسرائيل. وعزّز من هذه الأقاويل الحديث المتتالي عن ضغوط مارستها إدارة بايدن على رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو بألا تستهدف الضربة الإسرائيلية المواقع النووية أو النفطية الإيرانية، حرصاً من واشنطن على تفادي نشوء نزاع إقليمي واسع غداة الانتخابات الرئاسية الأميركية الوشيكة.

بدأ هذا الانطباع عن "محدودية" الخسائر الإيرانية جرّاء ضربات إسرائيل في التبدد تدريجياً، بعد تصريحات منسوبة إلى المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، أنه مثلما لا يجوز المبالغة في حجم هذه الخسائر، لا يجب التقليل منها أيضاً، في إشارة ضمنية إلى أنها لم تكن قليلة، وقيل إن ذلك جرى بعد إحاطة المرشد بتقرير مفصل من كبار القادة العسكريين عن مدى الضرر الذي لحق بقدرات إنتاج الصواريخ الإيرانية وأنظمة الدفاع الجوي حول طهران، والبنية التحتية الحيوية للطاقة، وميناء رئيسي في الجنوب، ما حمله على توجيه المجلس الأعلى للأمن القومي بالاستعداد لهجوم جديد على إسرائيل. وليس واضحاً ما إذا كان هذا الهجوم، في حال حصوله، سيكون في ما تبقى من أيام قليلة فاصلة عن انتخابات الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري في أميركا، أو بعدها، وسط ترجيح التوقيت الأخير، خشية أن يستفيد المرشح الجمهوري دونالد ترامب من زيادة التوترات والفوضى في المنطقة في حملته الانتخابية.

ليس المرشد الأعلى، الآمر الناهي في طهران، وحده من هدّد بالردّ. مثله فعل قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، قائلاً إنّ هذا الرد "لن يكون ممكناً تصوّره"، فيما نقل عن محمد محمدي كلبيكاني، مدير مكتب المرشد، قوله إنّ بلاده "ستردّ رداً قاسياً على إسرائيل يجعلها تندم"، جرّاء ما قامت به من هجوم أخيراً.

سواء كانت التهديدات الإيرانية جادّة أو ورقة ضغط في مفاوضات سريّة تجري في الخفاء، فإن خطر الانفجار الواسع في المنطقة قائم بجديّة، حتى لو نُفِّذ الهجوم، من خلال المليشيات الموالية لإيران في العراق، وليس مباشرة من الأراضي الإيرانية، كما تفيد مصادر إعلامية غربيّة، ما يعني أنّ الخطر سيظلّ محدقاً بدولنا في الخليج العربي، التي أظهرت حرصاً ملحوظاً في النأي بنفسها عن المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية، حين بعثت حكومات دول المنطقة، مبكّراً، رسائل إلى المعنيين بحرصها على ألا تكون أجواؤها الإقليمية معبراً أو منطلقاً لأي عمل عسكري إسرائيلي ضد إيران، وقد سارعت هذه الدول إلى إصدار بيانات إدانة للاعتداء الإسرائيلي على إيران فور تنفيذه، ومثلها فعلت الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي، وأُشير إلى أنّ الهجوم الإسرائيلي على طهران انتهاك صارخ لسيادتها، وخرق واضح لمبادئ القانون والأعراف الدولية، مع التحذير من تداعياته الخطيرة.

ولكن مع استمرار مخاطر مواجهات قادمة بين طهران وتل أبيب، ستبقى دولنا في مهبّ العاصفة، ما يضاعف من أهميّة تمسّكها بموقفها المعلن، قولاً وفعلاً، في النأي بنفسها عما يجري، مع معرفتنا بحجم الضغوط الأميركية، وربما من دول غربية أخرى، التي من المرجح أنها مورست وتمارس على دول المنطقة، كي تجعل من أراضيها أو أجوائها منطلقاً أو ممرّاً لأي استهداف إسرائيلي محتمل لإيران، خصوصاً أنّه ما زالت هناك ملفات عالقة في العلاقات الإيرانية – الخليجية، وسيسعى الآخرون لتوظيفها في تحقيق غاياتهم.

ليست مسؤولية إيران نفسها في تفادي ذلك قليلة، بل كبيرة، فهي مطالبة بإظهار الحرص على تسوية ما هو عالق من ملفات، وصوغ خطاب رشيد في علاقتها بالمحيط الخليجي، وتفادي ما قد يفسد أجواء العلاقة بينها وبين بلدان المنطقة، ومن ذلك التصريح الذي قاله أخيراً كبار المسؤولين الإيرانيين، وحمل تشكيكاً في عروبة البحرين، في عودة إلى مزاعم إيرانية قديمة في الموضوع، وأسوأ ما في الأمر أن يُدلى بمثل هذا التصريح في المناخ المعقد والملبّد بالغيوم الذي تمرّ به المنطقة.

كاتب وباحث من البحرين، صدرت له مؤلفات في قضايا الخليج، الثقافة، الأدب، السيرة، اليوميات، وغيرها
حسن مدن
كاتب وباحث من البحرين، صدرت له مؤلفات في قضايا الخليج، الثقافة، الأدب، السيرة، اليوميات، وغيرها.