درس لبناني وطني
اتّحد اللبنانيون تجاه الاعتداءات الإسرائيلية من طريق أجهزة البيجر واللاسلكي. وعبّرت الحكومة والقوى السياسية والرأي العام عن تضامن مع الضحايا. والتقت الأطراف كافّة، بمن فيهم الذين يختلفون مع حزب الله على توجيه رسالةٍ صريحةٍ إلى اسرائيل بأنّ لبنان غير قابلٍ للقسمة، عندما يتعلّق الأمر بالموقف من اعتداءاتها، وبالتالي لن تجد طرفاً لبنانياً يقف مع حربها ضدّ الحزب، ويُوفّر لها الغطاء السياسي. وقد شكّلت هذه الرسالة إنذاراً صريحاً لإسرائيل، سيجعلها تعيد النظر بحساباتها وخططها السياسية والعسكرية، كما أنّها ستجد صداها لدى القوى الدولية، التي تتبنّى الرواية الإسرائيلية من توسيع الحرب على الجبهة الشمالية، بذريعة تطبيق قرار مجلس الأمن 1701.
تعبّر الرسالة التي صدرت عن لبنان بحكومته وقواه السياسية عن استيعابٍ لدروس الحروب الإسرائيلية السابقة على لبنان، وتعكس حالةَ نضج وطني بأنّ حلَّ مشكلة حزب الله شأن لبناني داخلي، لا يتمّ من خلال الاستعانة بإسرائيل، ويُعبّر ذلك عن حرص على عدم منح إسرائيل الضوء الأخضر لتدمير البلد، تحت ذريعة ضرب حزب الله. ويدرك اللبنانيون أنّ حُجَّة إسرائيل بتطبيق القرار 1701 واهيةٌ، لأنّ إسرائيل لم تلتزم به في السابق، ورفضت الوساطات الأميركية والفرنسية في آخر أشهر، من أجل وضع آلية للإشراف على القرار بطرائق عديدة، من بينها تعزيز القوات الدولية العاملة في الجنوب، وتوسيع صلاحياتها بالعمل مع الدولة اللبنانية لحماية حدودها من إسرائيل. وبالتالي، هدف الحرب أبعد من هذه الذريعة، وغير خافٍ على أحدٍ أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، يعمل لتوظيف الجوّ الدولي والإقليمي العام، من حول الحرب على غزّة، من أجل تحقيق مكاسبَ سياسيةٍ وعسكريةٍ في لبنان، وبلدان أخرى.
يقطع التضامن اللبناني الداخلي الطريق على أيّ عدوان إسرائيلي شامل في المدى المنظور، ويحرمه من توفير غطاء سياسي محلّي، لكنّ ذلك لا يعني أنّ الحكومة والشارع في لبنان يساندان حزب الله في حساباته العسكرية كلّها، خاصّةً أنّ هناك رأياً عامّاً مفاده أنّ الأفعال لم ترقَ إلى الأقوال في مسألة إسناد غزّة، والخسائر في الجنوب تفوق تلك التي لحقت بإسرائيل بأضعاف، وهذا أمر يستدعي من حزب الله أن يُراجِع مواقفه كافّة. والمطلوب منه أنّ يردّ على رسالة التضامن بإيجابية، ويحترم في المقام الأول الدولةَ اللبنانيةَ ومؤسّساتها، ويترك لها مسؤولية قرار الحرب والسلم.
التضامن الرسمي والشعبي رسالةٌ صريحةٌ لحزب الله كي يقوم بمراجعةٍ داخليةٍ، واتّخاذ خطواتٍ في طريق التنازل عن الدولة الموازية، التي يقيمها في الأراضي اللبنانية، بجيشها وأمنها ومؤسّساتها المالية والاقتصادية، ويرفع الفيتو المُعطّل لانتخاب رئيسٍ للجمهورية، وتشكيل حكومة فاعلة، ويتعامل وفق ما تمليه القوانين اللبنانية، ويبرهن بذلك عن استعداد صادق للتحوّل حركةً سياسيةً لبنانيةً لا تستقوي بالسلاح على الدولة والشعب، ولا تمارس تدخّلات عسكرية خارج أراضي لبنان في سورية والعراق واليمن، يتحمل لبنان كلفة تبعاتها، وتضرّ بعلاقاته مع الشعوب العربية، التي تعاني وجود قوّاته في أراضيها، كما هو الحال في سورية، التي ينشر فيها حزب الله آلافاً من مقاتليه ضمن خطّة إيران لإسناد رئيس النظام بشّار الأسد. وهو على هذا الأساس يحتلّ مناطقَ عدّةً بعد أن هجّر أهلها، وخاصة في ريفَي دمشق وحمص.
يتطلّب الظرف السياسي والعسكري الصعب من حزب الله أن يتفهّم الرسالةَ جيّداً، ويترجم موقفه إلى أفعال ملموسةٍ داخل لبنان وخارجه، وأهمّ خطوة ذات قيمة، هي أن يبدأ بفكّ ارتباطه مع المشروع الإيراني، ويوقف توظيف لبنان في خدمة الأجندة الإيرانية، وسحب مقاتليه من سورية والعراق واليمن، ووقف تدخّلاته في هذه البلدان، ووضع مقدراته العسكرية والأمنية تحت تصرف الدولة اللبنانية.