دولة فوق الدولة
لم يعد تعبير "دولة ضمن الدولة"، والذي كان يتم إطلاقه عند الحديث عن دور حزب الله في لبنان، صالحاً للاستخدام بعد الممارسات التي قام، ويقوم، بها الحزب في الفترة الأخيرة. فرغم أن الجميع كان يعلم أن حزب الله أكبر من الدولة اللبنانية، عسكرياً واقتصادياً، إلا أن الحزب نفسه لم يكن يسعى إلى إظهار ذلك إلى العلن، على عكس ما يقوم به الآن، وبفجاجةٍ غير مسبوقة، فالحزب اليوم بات يحرص على القول ضمناً إنه ليس دولة ضمن الدولة، بل "دولة فوق الدولة"، وإن الأزمات التي لا تستطيع الدولة حلها، هو سيتكفل بها، حتى وإن كانت خاصة بالدولة ومؤسساتها نفسها.
في السابق، كان حزب الله يكتفي بسلب الدولة اللبنانية قرار الحرب والسلم، عبر احتكار قرار التصعيد مع إسرائيل أو زجّ لبنان في حروب المنطقة. ولم يكن الحزب يخفي ذلك، بل كان يجاهر به في كل المناسبات، باعتباره حامياً للبنان من المخاطر التي قد تهدّده، حتى وإن كانت بعيدة. وفرض الحزب التعايش مع هذه الحالة في البلاد، رغم الأصوات المعارضة، والتي لم تقدّم أو تؤخر، خصوصاً أن الحزب لم يوفر فرصة لفرض هذا الأمر، وصولاً إلى العمل العسكري الذي قام به في 2008.
اليوم وسّع حزب الله دائرة سيطرته على الدولة، أو على الأقل وسّع إظهار هذه السيطرة، خصوصاً أن الجميع كان يعلم أنه الآمر الناهي في البلاد. مشاهد كثيرة حفلت بها الأسابيع الماضية، سعى خلالها حزب الله إلى تأكيد أنه المسيطر سياسياً وعسكرياً واقتصاديا، وحتى لوجستياً.
المشهد الأول كان بطله الأمين العام للحزب، حسن نصرالل،ه بإعلانه عن استيراد البنزين والمازوت من إيران، وتأكيده على تحديد أسعار الكميات التي سيتم بيعها، وتلك التي سيتم توزيعها ولمن. واللافت في إعلان التوزيع هو شمول مؤسسات الدولة بهذا التوزيع، وهو ما يعني أخذ دور الدولة بشكل كلي. ورغم أن إعلان الاستيراد، وتنفيذه لاحقاً، أثار فرح لبنانيين كثيرين، إلا أن الشكل الذي حصل فيه ضرب وجود الدولة اللبنانية في مقتل، بعدما كانت نوعاً ما في حالة موت سريري، فمشهد دخول صهاريج المازوت إلى البلاد، وعبر المعابر الرسمية، ومن دون حدٍّ أدنى من الإجراءات الإدارية المعمول بها في كل الدول، أكّد أن للحزب السيطرة الكاملة على ما يستطيع إدخاله وإخراجه من البلد، وهو عملياً كان يساهم في تهريب المازوت. فهذه الكميات من المحروقات دخلت إلى البلاد من دون اختبار جودة، ومن دون أي إجراءات جمركية. والأنكى أن هذا الاستعراض لم يساهم في حل أزمة الوقود في لبنان، وهي الأزمة التي انفرجت جزئياً الآن بعد رفع الدعم وتفريغ الناقلات التي كانت راسية أمام المرافئ اللبنانية لمخزوناتها.
استعراض حزب الله، في ما يخص رعايته الدولة اللبنانية، لم يقف عند هذا الحد، بل زاد عليه عندما سجّل أحد مسؤوليه شريطاً مصوّراً يعلن فيه أن الحكومة اللبنانية استنجدت بالحزب لتأمين مولدات كهرباء لجلسة مجلس النواب التي كان من المقرّر أن تعطي الثقة للحكومة اللبنانية الجديدة. ورغم غرابة أن تكون الدولة غير قادرة على تأمين كهرباء لمؤسساتها، فإن هذا كان من الممكن أن يحدث من دون هذا الاستعراض، لكن الحزب حرص على تأكيد أنه الراعي الرسمي للدولة والحكومة، وأنه أقوى من الدولة.
المشهد الأخير واللافت كان التهديد الصريح الذي وجهه رئيس وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله، وفيق صفا، لقاضي التحقيق الخاص بانفجار مرفأ بيروت، طارق بيطار. تهديد شمل كلمة "نقبعك"، وهي تعني نزيلك من مكانك، الأمر حمّال أوجه، وقد يشمل الإقالة أو أموراً أخرى. ورغم تأكيد القاضي بيطار حدوث هذا التهديد، وإبلاغه السلطات القضائية في البلاد، إلا أن أي إجراء لم يتخذ في هذا الشأن، وبالتأكيد لن يتخذ، فالحزب بات علناً دولة فوق الدولة، هذا إذا افترضنا أن الدولة الثانية موجودة فعلاً.