رام الله مدينةَ أردنية
يُشاع عن الأردنيين أنهم أصحاب كشْرة، وليسوا ضحوكين، غير أن زوابع في "السوشيال ميديا" يثيرها النشطون منهم في التعليقات المرتجلة، بشأن مستجدّاتٍ تطرأ وتخصّ بلدهم، تفيد بغير ذلك. وقد نُسب إلى عبدالله النسور قولُه، إبّان كان رئيسا للوزراء، إنه رفع منسوب ضحك الأردنيين، من فرط سخريتهم من احتراف حكومته رفع الأسعار، في نكاتٍ غزيرةٍ كانت ساخطةً عليه، في وسائل التواصل الاجتماعي. وهذه تدويناتٌ وتغريداتٌ تتالت، منذ صباح يوم الجمعة الماضي، بشأن فداحة أخطاء شابٍّ وزميلتِه في فريق الاستقبال في جناح الأردن في "إكسبو دبي 2020"، في إجابتيهما، على الهواء مباشرة، عن أسئلة مراسلٍ على شاشة قناةٍ تلفزيونية محلية، دلّت على أن ذخيرةَ الأردنيين من السخرية الحانقة على سوء الأداء العام، الحكومي والرسمي في غير شأن، وفيرة. وفي الوُسع أن يجتهد واحدُنا، ويذهب إلى أن هذا الطخّ من التنكيت على ما قالته الشابّة وزميلها هو ما أدّى إلى إلغاء الحكومة عقدها مع شركة التسويق الخاصة، المكلّفة بتنظيم الاستقبال في المعرض الدولي.
وإذا كان حديث الشابّ عن الثورة العربية الكبرى إنها بدأت في سورية في عام 1916 (أخطأ في المكان وأصاب في الزمان) وانتهت في اليمن قد استأثر بفائضٍ من الغضب الموشّى بالسخرية من غير أمر يخصّ بؤسا في التعليم ورداءةً في تأهيل الكفاءات، فإن حديث زميلته عن رام الله مدينةً أردنيةً قد قوبل بالضحك الودود، بل واستثار حنينا إلى زمنٍ كانت فيه المدينة الفلسطينية العتيدة في ولاية المملكة الأردنية الهاشمية. وكان من الطرافة، المحبّبة ربما، قول بعضهم إن الشابّة إنما أرادت تأكيدا على "الهوية الوطنية الجامعة" التي جاءت عليها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، فثمّة أردنيون، كاملو المواطنة في المملكة، من رام الله وحواليها. وللمرء أن يستفيض فيقول، في المناسبة، إن مسؤولين في السلطة الفلسطينية، يباشرون مسؤولياتهم في الحكومة والمؤسسات الرسمية الفلسطينية، في رام الله، هم مواطنون أردنيون، بموجب حملهم جوازات سفرٍ أردنية، ولبعضهم أملاكٌ ومصالح وأقارب في شرقي نهر الأردن. ومن طيّب الحكايات التي استدعتها فعلة الشابّة في دبي أن شيخا من عشائر الكرك في الأردن، من عائلةٍ مسيحية، اسمه راشد الحدادين، نزح إلى فلسطين هاربا من ثأر، هو من أسّس، في منتصف القرن السادس عشر، مدينة رام الله، ثم عاد إلى الكرك، فيما بقي أبناؤه الخمسة فيها، وأصبحوا أجداد أهل رام الله الأصليين، وتماثيل الأسود الخمسة (اعتُدي عليها أخيرا) في ميدان المنارة ترمز إليهم.
كانت الشابّة تريد التعريف بثلاث مدنٍ أردنية، عمّان والعقبة ورام الله، وربما قصدت منطقة رم، غير أن لسانها أخذها إلى المدينة التي صارت العاصمة السياسية للسلطة الفلسطينية (بانتظار تحرير القدس عاصمة دولة فلسطين طبعا)، وكانت قبل احتلالها في 1967 واحدةً من مدن الضفة الغربية لنهر الأردن، حيث المملكة الأردنية الهاشمية من ضفتين، جرى إعلان الوحدة بينهما في 1950، تحت العرش الهاشمي. وربما الأكثر شهرة هنا أن رام الله كانت تضمّ الإذاعة الأردنية، إبّان كان اسمها إذاعة القدس، قبل 1948، ثم صار اسمُها الإذاعة الأردنية الهاشمية، قبل أن تصير، بعد وحدة الضفتين، إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية، حتى عام 1956 الذي انتقلت فيه إلى جبل الحسين في عمّان. والراجح أن الشابّة التي "أردنت" رام الله بعد أكثر من 33 عاما على إعلان الأردن فكّ الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية، وبعد 28 عاما من قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، لا تعرف أن حنينا حارّا إلى رام الله كان وراء إنجاز أغنية "وين ع رام الله" في أولى أسابيع عمل الإذاعة الأردنية، في مقرّها الحالي في أم الحيران في عمّان في 1959، وأظنّها أغنيةً شهيرة، سيما وقد أدّاها لاحقا، مغنّون كثيرون، بتنويعاتٍ عديدةٍ، من شديد الوجوب أن يعرف من هم في عمر الشابّة التي يسّر خطؤها كتابة هذا التعليق أن صاحبة الأغنية في زمنها ذاك سلوى العاص، وكتبها الشيخ رشيد زيد الكيلاني.
لم يتحسّس الفلسطينيون من أن تُحسَب رام الله مدينة أردنية، ولم يعتبر الأردنيون هذا من الكبائر، فثمّة وشائج أردنية لرام الله بلا عدد. أما أن الثورة العربية الكبرى انتهت في اليمن فقصةٌ أخرى، أضحكت الأردنيين كثيرا، وأغضبتهم أكثر.