رسومات مغضوب عليها... للتوضيح فقط
منذ بدأتُ مهنتي في الرسم الكاريكاتيري، لم أكن (وسأبقى) إلّا مع حقّ الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الصهيوني بكل الوسائل المتاحة، حقاً مكفولاً في القوانين الدولية ينافح عنه كلّ الشرفاء في العالم، وكإنسان عانى مرارة اللجوء والعيش في المخيم، جُبل منذ طفولته على العداء للمشروع الصهيوني وأدواته. وتالياً، أكّدت دوماً، وصفتي رسّام معروف وذو أرشيف منشور ومتاح في غير مكان، أنّ الضحية لا تتساوى مع الجلاد، وأن المقاومة أسمى وأشرف من دناءة الاحتلال وقبح الاستعمار، وأفتخر بأني صاحب رسم الراية السوداء المنشورة في قلب صحيفة الرأي الأردنية يوم افتتاح سفارة الاحتلال الصهيوني في عمّان، ممهورة بتوقيع عميد الصحافة الأردنية محمود الكايد رحمه الله، ربّاني أساتذتي في الصحافة على ذلك، لن أغير لوني ولن أبدل ولن أنكص على عقبي.
وتمهيداً لشرح ملابسات أربعة رسومات لي جرى تداولها أخيراً عبر منصّات السوشال ميديا مرفقة بعبارات التخوين والتشكيك، أود القول إنني كنت من أوائل الرسّامين العرب الذين أخذوا على عاتقهم نقل رسالة الأمة العربية إلى العالم منذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول 2001) في الولايات المتحدة، وتطوعت للرسم سنوات طويلة برسوماتٍ مترجمة في عدة مواقع أميركية وأوروبية من دون مقابل، مساهمةً في نقل صوت الأمة العربية ومعاناتها مع محتليها وغُزاتها، وأعمالي في أحداث "11 سبتمبر" وما تلاها من غزو أفغانستان والعراق تداولتها مواقع عالمية كثيرة. وفي أزمة الرسومات الدنماركية المسيئة للرسول محمد ﷺ رسمت الكثير في الرد على المسيئين من جنس إساءتهم، ورسوماتي تلك معروفة ومنشورة في مواقع عالمية عديدة، ومن النادر عموماً كان نشرها وتداولها عربياً.
جرى أخيراً توجيه جملة من الاتهامات ضدّي مرفقة بنسخ من رسوماتي بما يشبه حملة الاستهداف على منصّات "السوشيال ميديا"، وعرفتُ منذ بدايتها الشخص الذي وراءها. على العموم، ثارت الزوبعة أيّاً كان مثيرها. وأود في هذه السطور توضيح الصورة، والإتيان على كل نقطة، وردت في التقول على تلك الرسومات الأربعة وشرح محتواها، متوخياً في ذلك الدقة والمهنية الصحافية، بعيداً عن مناكفات أصحاب الكار ولغط "السوشيال ميديا"، وتحليلاً وتدقيقاً في الرسومات مثار الجدل.
عندما صار الرسم نهباً لمزايدات "السوشيال ميديا"، وصار يُرفَق بنصوص مكتوبة تشرّق وتغرّب في تفسيره، انتشر اللغط والوصم الأعمى
أولا، رسم "طائرة الاحتلال والملثم": نشر في 12 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في "العربي الجديد" ثم على منصّاتي للتواصل الاجتماعي، ولاحقاً في موقعي كارتون موفمنت وكيغل كارتونز. الوصف: نرى طائرة نوع إف 35 موسومة بالعلم الإسرائيلي تقف كإرهابي تحتجز فلسطين بأرضها وشعبها كرهائن وتصوّب قذيفتها نحوهم، وتحمل تحت جناحها قائمة مطالب مثل الإرهابيين، يقابلها مع شارة مساواة ملثّم غير محدّد الهوية، يصوّب سلاحه صوب رجل أسير غير محدّد الهوية، ويحمل الملثّم بيده قائمة مطالب. ويلاحظ المشاهد لتكوين الرسم أنّ الطائرة ورهائنها أكبر حجماً من الملثم ورهينته، ومن البديهي، ومن سياق الرسم البصري، أنّهما لا يتساويان وأنّ الدولة المحتلة بطائراتها وأدوات بطشها العسكري ورقاب الملايين التي تستعبدها لا تتساوى مع الملثّم ورهينته اليتيمة أيّاً كانت. المغزى: لا يستوي جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يختطف أرضاً وشعباً بالملثّم المسلح الذي يختطف رهينة واحدة، أيّاً كان انتماؤه... وقد جاء هذا الرسم بعد يومين من بدء عملية طوفان الأقصى، وفي سياق التبرير لفعل اختطاف "حماس" إسرائيليين، وقبل العدوان البرّي الإسرائيلي على قطاع غزّة، ولم يُثر أي انتقاد، ونال استحساناً عند نشره على منصّاتي المحلية الأردنية في "إكس" (تويتر) و"فيسبوك" و"إنستغرام". ونشر كذلك في موقعي كارتون موفمنت الهولندي وكيغل كارتونز الأميركي، من دون أي فروق في نسخ الرسم العربية والمترجمة، وبعكس ما يدّعي بعضهم أنّه نشر فقط في وسائل الإعلام الغربية، فقد نُشر في "العربي الجديد" وفي منصّات التواصل الخاصة بي، كذلك فإنّ الموقعين الغربيين اللذين نشراه متخصّصان في الرسوم الكاريكاتيرية، وليسا إخباريين.
ثانيا، رسم "غزّة قطّة محشورة في الزواية" نُشر في 15 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في "العربي الجديد" ثم على منصّاتي للتواصل الاجتماعي، ولاحقاً في موقعي كارتون موفمنت وكيغل كارتونز. الوصف: نرى قطّة محشورة في الزاوية (اقتباساً من المثل الإنكليزي: إذا كان عليك أن تُقاتل فقاتل كقطّة محشورة في الزاوية if you have to fight fight like a cornered cat. ويقال في وجوب المواجهة في حال انعدام الخيارات وعدم تكافؤ المواجهة). القطّة محاطة بالصواريخ والبنادق وأقدام المحتلين وبساطيرهم تركلها وتضيّق عليها وتحاصرها في الزاوية وتزجرها للطرد بكلمة out، القطّة موسومة باسم غزّة بالإنكليزية، وتبدو غاضبة وذيلها صاروخ يواجه محاصريها. والمغزى: إذا حوصرت غزّة كقطة في زاوية، فستردّ بشراسة وبكل ما لديها. وقد جاء نشر هذا الرسم في خضم النقاش بشأن عملية طوفان الاقصى ومدى مشروعيتها ومبرّراتها ردّاً على اقتحامات الأقصى، وعدم تكافؤ ميزان القوى بين جيش الاحتلال والمقاومة الفلسطينية. ولاقى الرسم استحساناً وقبولاً عند نشره في "العربي الجديد" وعلى منصّاتي المحلية. ومرّة أخرى، الرسم بعكس ما ادّعى بعضهم أنه ظهر في وسائل إعلام غربية فقط، بل نشر عربياً ومحلياً ودولياً، من دون أي جدل يذكر أو مشكلة من أي نوع. وبخصوص رمزية القطة التي جادل فيها بعضهم أيضاً، فهو رمز كاريكاتيري محبّب، لا إهانة أو انتقاص فيه، وتم إيراده لاقترانه بالمثل آنف الذكر.
لا أستغرب سوء الفهم لرسوماتي من العامّة والذباب الإلكتروني، لا بل صار هذا معتاداً بين حين وآخر، ولكنه مستغرَب من صحافيين وإعلاميين
ثالثا - "إرهابي مقنّع بعلم إسرائيل". رفضت صحيفة العربي الجديد نشر هذا الرسم، في 21/11/2023، بمبرّر أحترمه من رئيس التحرير، حسام كنفاني، أنّه غير مناسب وقد يساء فهمُه، فاجتهدتُ ونشرته في موقعي كارتون موفمنت وكيغل كارتون في اليوم نفسه. الوصف: كومة خراب يعلوها علم إسرائيل ملطّخ بالدماء، تأخذ شكل ملثّم إرهابي يرفع سبّابته متوعّداً، وتبدو السبابة كدبّابة فوق الخراب، قصفت الدبابة وقتلت وتصاعد الدخان الساخن من مدفعها للتوّ (كاقتباس من تعبير دارج في اللغة الإنكليزية، بمعنى "السلاح الصاعد منه الدخان"، وهو يعني دليل الجريمة الدامغ، (The Smoking Gun)، ومن المهم الإشارة هنا إلى أن الملثّم يمثل الإرهاب الداعشي، لكون هذا أدرج سابقاً في رسوماتي النابذة إرهاب "داعش". والمغزى أن إسرائيل جماعة إرهابية متطرّفة ترفع علمها ودبّابتها فوق الخراب والدمار، مُدانة بالدليل الدامغ (السلاح الصاعد منه الدخان). رسمتُ هذا الرسم في سياق إدانة همجية إسرائيل في 21/11/2023، وإدانة مجازرها الإرهابية في عدوانها على غزّة. ورسم المحتل برداء الإرهاب ثيمة دارجة في أعمالي الكاريكاتيرية السابقة. ومع رفض "العربي الجديد" نشر الرسم، خشية من إساءة فهمه، آثرت عدم نشره على منصّاتي المحلية، لكني اجتهدت بنشره للقارئ الغربي بالتشديد على اللثام بعلم إسرائيل الملطخ بالدماء والدبابة السبّابة ذات الدخان فوق الخراب، رموز بصرية كافية لإيصال مقصدي من الرسم إلى القارئ الغربي حصراً في موقع كاريكاتير متخصص. ويضاف إلى ذلك أن ثيمتي في إلباس المحتل قناع الإرهاب معروفة لمتابعي أعمالي في الكاريكاتير السياسي عربياً ودولياً، ولا بأس من إسقاطها على إسرائيل في عدوانها الحالي على غزّة. وقد أدّى الرسم رسالته وأغاظ مؤيدي إسرائيل، لأنه يصوّرها بصورة الإرهابي الذي يقتل رهائنه بالدبابات. لسوء الحظ، أُخذت الرسمة من موقعي كارتون موفمنت وكيغل كارتونز من سياقها، بل أشاع مُشعل الحملة ضدي أنها تمثل حركة حماس تارة وأبو عبيدة (الناطق باسم الحركة) تارة أخرى، من دون وجود أي مبرّر بصري واضح يؤيد ذلك، فلو كان المقصود "حماس" أو أيّاً من رموزها، فهل لدى "حماس" دبّابات ترقد فوق كومة الخراب مثلاً. وعلم إسرائيل في الرسم لا يمثل إلا إسرائيل والدبّابة لا تمثل إلا إسرائيل والخراب والدمار هما إسرائيل. وتكوين الرسم يقول إن إسرائيل إرهابية، ولا شيء فيه عن "حماس" أو أبو عبيدة، وهذا ما وصل إلى القارئ الغربي. ولكن عندما صار الرسم نهباً لمزايدات "السوشال ميديا"، وصار يُرفَق بنصوص مكتوبة تشرّق وتغرّب في تفسيره، من دون محاولة تحليل محتواه وتفسير رموزه الواضحة، انتشر اللغط والوصم الأعمى، وكثيرون قرأوا النص المدسوس، ولم يولوا الرسم المرفق ولو نظرة، مدفوعين عفوياً بهاشتاغات التخوين والنفاق والشتائم، فشاركها وأرسلها كثيرون كما وردتهم، وصدّق كثيرون أنها إهانة للمقاومة من دون وجود أي تفصيل يدعم هذا الزعم. وهذا واضح في غثّ كلامهم وتجريحهم. ولا أستغرب سوء الفهم لرسوماتي من العامّة والذباب الإلكتروني، لا بل صار هذا معتاداً بين حين وآخر، ولكنه مستغرَب من صحافيين وإعلاميين، يُفترض أنهم ذوو ذائقة في الكاريكاتير، وقادرون على قراءته برموزه ولغته البصرية، ويفترض فيهم إدراكهم حملات السوشال ميديا وحملاتها المفتعلة وترنداتها وذبابها، التي كما قال عنها مفكّر عربي إنّها كزبد البحر، ما أسرع أن يتراكم ويكبر لأتفه الأمور، وما أسرع ما يتلاشى بعد حين.
أوضحتُ من دون مواربة أنني أخطأتُ في رسم "تبادل الأسرى" وأعتذر عنه، وأنني اجتهدت ولم أصب في اجتهادي
رابعا، رسم نتنياهو ومقاتل من "حماس" يتبادلان الأطفال والنساء الأسرى، مع عنوان بالإنكليزية داخل إطار الرسم: PRISONERS EXCHANGE، لم أعرضه على "العربي الجديد" ولم أنشُره على منصّاتي المحلية. نُشر فقط على موقعي كارتون موفمنت وكيغل كارتون في 25/11/2023، وهذا الرسم مُشعِل الحملة ضدي، جرى خلطه مع الرسومات آنفة الذكر، كخلط الحابل بالنابل، ولإعطاء الحملة المفتعلة زخماً بمجموعة رسومات، لا رسماً واحداً فقط، وربما لتكون الحملة أوقع وأوجع، بالتعميم والوصم والاجتزاء، مع اطمئنان مشعليها إلى أن أكثر الناس ستحكُم على رسوماتي على طريقة "المكتوب باين من عنوانه!" من دون قراءة المكتوب ذاته أو معاينة محتوى الرسومات الأخرى، ومطالعتها عينياً وتحليل محتواها بشكل مهني، فجرى تكرار بثّه وتداوله، وأحياناً إدراجه في إطار واحد مع باقي الرسومات بشكل صغير ومبكسل وغير واضح التفاصيل. والرسم هو نتنياهو وملثم من حركة حماس يقفان فوق كومة جثثٍ غير محدّدة الهوية تمثل ضحايا الحرب، يحمل كل منهما قفصاً فيه نساء وأطفال ويتبادلان بيديهما طفلين صغيرين، في صفقة تبادل الأسرى. والمغزى إدانة أسر إسرائيل و"حماس" أطفالاً ونساءً. رسمتُ هذا الرسم متوجّهاً فيه إلى القارئ الغربي، وعلى عكس التفسير السائد أنه يساوي بين حركة حماس وإسرائيل، كان الرسم إدانة لإسرائيل في عين الغرب الذي يجهل أصلاً أنّ إسرائيل تأسر أطفالاً ونساءً، وفوجئ كثيرون منهم بوجود أطفال ونساء فلسطينيين أسرى في سجونها، تعدّهم لصفقة التبادل مع "حماس"... والغرب معتاد أصلاً في ماكيناته الإعلامية وصمَ "حماس" بالإرهاب، وخطف المدنيين، بينما يسوّق جيش الاحتلال "أخلاقياً يُراعي حقوق الإنسان". وعليه، قدَّرتُ أن رسم ملثم "حماس" مقابل نتنياهو لن يضير "حماس" في شيء، بقدر ما ستكون الإدانة حتمية لنتنياهو وكيانه المحتل، وموقفه المخزي أمام الغرب في صفقة التبادل كدولة لا جماعة مسلحة تأسر النساء والأطفال وتعدّهم لصفقات التبادل. وعموماً، ليست فكرة إدانة أسر الأطفال والنساء التي بُني عليها الرسم جريمة، وإن تضمنت نقداً ضمنياً لحركة حماس.
... أعلنت فور شنّ هذه الحملة، متضمنة الرسومات مثار الجدل بياناً واضحاً، على كل منصّاتي في "السوشيال ميديا" أوضحت فيه من دون مواربة أنني أخطأتُ وأعتذر عن هذا الرسم، وأنني اجتهدت ولم أُصب في اجتهادي، وأكدت موقفي الواضح في الوقوف إلى جانب المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال. وعلاوة على ذلك، أزلت رسمَيْ "تبادل الأسرى" و"إسرائيل إرهابي مقنع" من موقعي الكاريكاتير كارتون موفمنت وكيغل كارتونز ومن منصّاتي، امتصاصاً للغضب واحتواءً للأزمة من منطلق تفهّمي للوضع العام، فأعصاب الناس مشدودة من هول الحرب على غزّة، وقلوب الجميع وسيوفهم مع المقاومة، ولا مكان لأي نقد لها حالياً، وهي ملتحمة مع العدو، وأهل غزّة تحت القصف.
ما قام به مروّجو الحملة المغرضة ليس إلّا نزعاً وانتقاءً للرسومات من سياقها، وبثها في سياق آخر بقصد التشويه
باختصار، هناك من تربّص بي، فساق رسماً لي موجّهاً إلى القارئ الغربي، هدفه الدفاع عن أهل غزّة في الإعلام الغربي، أخرجه عن سياقه لغاية في نفسه، وجمعه برسوماتٍ ثلاثة أخرى، لا شيء عليها سوى إمكانية إساءة فهمها إذا وُضعت في سياقٍ مدروس، وأرفق المجموعة بعبارات وهاشتاغات التخوين والعمالة والوصم بالنفاق من غير وجه حقّ، من دون خوض في التفاصيل أو شرح للسياق وتحليل مهني للمحتوى ودور السياق والجمهور المستهدف. ويجانب الحقيقة ما أشيع أن الرسومات الأربعة نُشرت في مواقع غربية فأثارت الغضب، لأنها نشرت على فترات منفصلة ومتباعدة في موقعي كارتون موفمنت وكيغل كارتونز، ولم يكن الضجيج إلا حملة مفتعلة، بدأت بعد أسبوع من نشر رسم "تبادل الأسرى" بانتقاء الرسومات الثلاثة الأخرى، وضمها معه لتلفيق الاتهام، وتجميع سلة كاريكاتير بغرض إحداث الخلط واللغط، وإظهاري وكأني رسمتها دفعة واحدة، أي أني أقصد التكرار والتحدّي، مدّعين أني أرسم رسوماتٍ مختلفة بالعربية عن التي بالإنكليزية، وقد يصحّ هذا فقط على رسم وحيد (تبادل الأسرى) الذي شرحت ظروف نشره واجتهادي الخاطئ فيه، لكونه موجّهاً إلى القارئ الغربي حصراً، من دون أن أتوقّع أن ينزعه أحد من سياقه ويوزّعه على نطاق واسع لغرضٍ في نفسه. ولكن لا يمكن التعميم والادعاء أن رسوماتي العربية تختلف في الموقف عن التي تُترجم للمواقع الغربية، ودونكم الدليل، وهو أرشيفي المترجم كاملاً والمتاح في الموقعيْن الغربييْن المذكوريْن لمن يشاء أن يدقّق، حيث يستطيع متتبع أعمالي المنشورة عربياً أن يعلم أنها ذاتها بالموقف السياسي والأخلاقي نفسه، مترجمة بالإنكليزية في الموقعين. ما قام به مروّجو هذه الحملة المغرضة ليس إلا نزعاً وانتقاءً للرسومات من سياقها، وبثّها في سياق آخر بقصد التشويه وإحداث الخلط وإساءة الفهم.
هي حملة ليست الأولى، وربما لن تكون الأخيرة، فقد تعرّضت على مرّ مسيرتي الفنية لأزمات وحملات عدائية عديدة... واستناداً إلى الشرح التحليلي المنبثق من وصف هذه الرسومات، وإلى فن رسم الكاريكاتير وأساليب الإيحاءات والرموز البصرية فيه، فإن لكل عين بصيرة تتذوّق فن الرسم الكاريكاتيري، الذي ينهض، عربياً، فنّاً اتصالياً ساخراً مميّزاً، ويُعَدّ من أهم أدوات مجابهة الاحتلال الغاشم، لكونه رسماً يخاطب القرّاء من كل العالم، وليس فقط المحليين، وبأسلوب يجذب قارئه، ويبين له مدى الظلم والقهر الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني. ولكون الحملة التي شُنّت أثارت لغطاً كبيراً، من دون تحليل مضمون حقيقي للرسومات، أو معالجة نقدية، وانحصرت في لغة التخوين، وحيث إن هذه الرسومات قد يفهم بعضهم منها أنها ذات تحوير للوضع الحالي، ويفهم آخرون أنها ذات دلالاتٍ عميقة على توضيح العدوان على غزّة، وعلى أبناء شعبنا الفلسطيني، فإنني، في مختتم هذا المقال، أوضح أنه لا نية ولا قصد لديّ إطلاقاً في الرد والتوضيح بشأن ما ورد من وقائع واتهامات لي، وأني لا أقصد الإساءة لأي كان، حتى ولو اعتقد بما جرى تداولُه. وعليه، وفي هذه الظروف بالذات، أرجو من أي شخصٍ اعتقد شيئاً لم يكن هو المقصود من الرسومات أن يقبل مودّتي واحترامي، ولا غضاضة في القول اعتذاري أيضاً.