زوجة زيلينسكي في إسرائيل ... هكذا لا يفهم بعضٌنا بعضاً

24 يونيو 2023

زوجة الرئيس الأوكراني أولينا بين الرئيس الإسرائيلي وزوجته (19/6/2023/حسابها في تويتر)

+ الخط -

زارت سيدة أوكرانيا الأولى، أولينا زيلينسكا، في بحر الأسبوع الماضي، الدولة الإسرائيلية. ورغم أنها لا تتمتع بمنصب رسمي في بلادها، إذ سبق أن وجهت اهتمامها إلى الثقافة ومحو الأمية وتمكين المرأة منذ انتخاب زوجها فولوديمير زيلينسكي رئيسا لأوكرانيا في عام 2019، إلا أنها أخذت تنغمس، ومع نشوب الحرب الروسية على بلادها في فبراير/ شباط 2022، في أداء دور إعلامي سياسي لنصرة قضية شعبها، وسبق لها أن توجّهت إلى الولايات المتحدة، وخاطبت بنفسها أعضاء مجلس الكونغرس، مع العلم أن الإدارة الأميركية لم تبخل في دعم أوكرانيا بالمال والسلاح والجهد الاستخباراتي والدبلوماسي، وهو كرمٌ لا يجد مثيلا له إلا في دعم دولة الاحتلال الإسرائيلي من الإدارة الديمقراطية الحالية، كما من الإدارات السابقة عقودا. وليس سرّاً أن أوكرانيا تتلقّى، عدا الدعم الأميركي، دعما هائلا ومتواصلا من دول الاتحاد الأوروبي ومن كندا وأستراليا واليابان ودول أخرى. ومن المفهوم أن اختلال موازين القوى بين أوكرانيا وروسيا يتطلب اجتذاب دعم للطرف الأضعف، غير أن ذلك يجب ألا يعني أن دول العالم جميعها يجب أن تتجنّد لدعم أوكرانيا فقط، فثمة مشكلاتٌ هائلة تعانيها دول وشعوب أخرى إلى جانب مشكلة أوكرانيا الهائلة، مثل مشكلات الاستبداد والفاقة والإرهاب والنزاعات الأهلية والكوارث الطبيعية. كما أن من مصلحة الأوكرانيين ألا يستدرجوا دعما من جهاتٍ دولية مارقة تتباهى بالتمرّد على القانون الدولي وعلى القرارات الدولية، فذلك يُفسد قضيتهم.

ثمّة سبب سياسي يدعو تل أبيب إلى التلكؤ في دعم كييف، أن الإسرائيليين أنفسهم يقومون باحتلال استيطاني وعسكري

لم تكتم السيدة الأولى، في زيارتها تل أبيب، ما أسمتها حاجة بلادها إلى دعم إسرائيلي، وقد قالت بهذا الصدد: "نحن نعلم أن هناك إمكانات هائلة في إسرائيل، ونعلم أن هناك تكنولوجيا نحتاجها بشدة، لكن الأمر متروكٌ لهم". وسبق للرئيس زيلينسكي أن ألمح إلى هذا الطلب من تل أبيب التي تحاول المواءمة بين مصالحها مع كل من موسكو وكييف. كما سبق أن باعت تل أبيب أنظمة عسكرية دفاعية لكييف تُستخدم في التصدّي لهجمات الطائرات المسيّرة، وهو ما كشفته مواقع عبرية في مارس/ آذار الماضي. وإلى رغبة تل أبيب في موازنة المصالح بين موسكو وكييف، بما يجعل الدعم الإسرائيلي محدودا في جملته، فإن ثمة سببا سياسيا يدعو تل أبيب إلى التلكؤ في دعم كييف، وهي أن الإسرائيليين أنفسهم يقومون باحتلال استيطاني وعسكري، بما يجعل حساسيتهم ضعيفة وتفكيرهم مُبلبلاً تجاه الغزو الروسي الجارة "الصغيرة"، إذ يقومون، منذ عقود، بغزو مماثل لجيرانهم الفلسطينيين.
تتمتع السيدة أولينا بموهبة خاصة لا تُحسد عليها، تضاهي موهبة زوجها الرئيس في الامتناع التام عن رؤية الغزو الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وما يتركه من آثار مدمّرة على حياة الرازحين تحت الاحتلال. وكان يفُترض بمن يتعرّض للظلم أن يتمتّع بالحساسية البديهية ضد أي ظلم يتعرّض له غيره. ولكن لسببٍ ما، لسببٍ عميق وغامض، لا تكتفي سيدة أوكرانيا الأولى بغض النّظر عن رؤية المظالم الشنيعة والقديمة في الأراضي الفلسطينية المقدّسة، بل لا تتيح قوة إبصارها لها رؤية الفلسطينيين وملاحظة وجودهم على أرضهم منذ آلاف السنين، ولن ننعت ذلك بأنه ينمّ عن عنصرية خالصة، فلها أن تفسّر هذا الأمر الغريب الذي يجد نظيرا له فقط لدى غلاة المتوحّشين الإسرائيليين، ممن تتشكّل منهم غالبية الحكومة الإسرائيلية الحالية.

توحي أولينا بأن ثمّة احتلالاً جميلاً وجذّاباً، مثل الإسرائيلي، وثمّة احتلالاً بغيضاً مثل الاستيلاء الروسي على أجزاء من بلدها

في أثناء زيارتها، ومن بين أحاديثها التي أطلقتها، عرّجت السيدة أولينا على تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بخصوص ديانة زوجها، وقالت في هذا المعرض: "لا أعرف كيف، في السياق السياسي، يمكنك مناقشة عرق شخص ما على الإطلاق"، وأطلقت نعتا قاسيا على تلك "المناقشة"، مع ملاحظةٍ لم تقلها، فقد أريد بذلك التصريح طمس الهوية الوطنية الأوكرانية  لفولوديمير زيلينسكي، بالتركيز على شيء آخر. غير أن زيارة أولينا زيلينسكا، إذ تولي اعتبارا فائقا للسياق السياسي، لا يمكن النظر إلى هذه الزيارة إلا في سياق سياسي، فخلافا للأغلبية الغالبة من الدول التي ترى الاحتلال الإسرائيلي وترفضه، وتدينه وتدعو إلى إنهائه، لم تأخذ زوجة الرئيس (45 عاماً) علماً بعد بوجود هذا الاحتلال البغيض. وخلافاً لطبيعة الأشياء ومنطق الأمور، تطلب من الدولة القائمة بالاحتلال تقديم العون لبلادها في مواجهة احتلال أجزاء من بلادها. وذلك أمر لا يثير السخرية، بل يتسبب بالغثيان، وذلك حين توحي السيدة أولينا بأن ثمّة احتلالا جميلا وجذّابا، مثل الاحتلال الإسرائيلي، وثمّة احتلالا بغيضا وشرّيرا مثل الاستيلاء الروسي على أجزاء من بلدها.
خاطبت السيدة أولينا العالم العربي من خلال قناة "العربية"، في مارس/ آذار الماضي، قائلةً: "ما يجمعنا أكثر مما يفرّقنا، وأن لدينا إمكانات هائلة. أعرف أنكم تفهموننا، لأن جميع الواعين يفهمون بعضُهم بعضا، ونحن نحتاج دعمكم". وما ينبغي أن تعرفه السيدة الأولى أن نسبةً كبيرةً من أبناء العالم العربي يقفون مع حقّ أوكرانيا والأوكرانيين في الحرّية والسيادة والاستقلال على جميع أراضيهم، وأن نسبة أخرى كبيرة أيضا في العالم العربي تقف مع الاجتياح الروسي لهذا البلد الجميل.. وذلك لأسبابٍ، منها على الخصوص أن رئاسة الدولة في أوكرانيا تناصر الاحتلال الإسرائيلي بصورة عمياء وعديمة النزاهة. وبما أننا يجب أن نفهم وندعم بعضنا بعضا، فإنه لا مفرّ من مصارحتك بهذه الحقيقة، فأنتم تخسرون بهذا جزءا كبيرا ومؤثّرا من الرأي العام العربي، فليس هناك احتلال جميل وآخر شرّير، فكل الاحتلالات بغيضة، وإنكار وجود الفلسطينيين والقفز عن حقوقهم في أرضهم، والسكوت عن فظائع الاحتلال الإسرائيلي، هو مثل إنكار حقّ الأوكرانيين في الحياة والحرية على أرضهم، وتجاهل معاناتهم وحقوقهم.

محمود الريماوي
محمود الريماوي
قاص وروائي وكاتب سياسي من الأردن.