سفير سعودي في دمشق
طوت الرياض، رسمياً، صفحة القطيعة الدبلوماسية مع النظام في سورية، وعيّنت فيصل المجفل سفيراً لها في دمشق. وذلك، في خطوة تُعد الأكثر أهمّية منذ إغلاق سفارة المملكة هناك، استجابة لقرار جامعة الدول العربية عام 2011 بتجميد عضوية النظام على خلفية استخدامه السلاح ضدّ الحراك السلمي للشعب السوري، الذي ثار للمطالبة بالحرّية والكرامة في مارس/ آذار من ذلك العام. وعلى مستوى الترتيبات الإجرائية، لا يُشكّل القرار السعودي مفاجأة، لأنّ البلدَين اتّفقا في العام الماضي (2023) على إعادة فتح السفارات، بعد زيارة وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، دمشق في إبريل/ نيسان من ذلك العام، ومشاركة رئيس النظام بشّار الأسد في القمّة العربية في جدّة في 19 مايو/ أيّار (2023)، وعلى هذا الأساس، افتتحت دمشق في نهاية العام الماضي سفارة في الرياض، وتعيين سفير لها، ولكنّ الرياض لم تتعامل بالمثل، وتأخّرت في تعيين سفيرها حتّى حُسِمَ الأمر في اللقاء الذي جمع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بالأسد، على هامش القمّة العربية الأخيرة في المنامة في 16 الشهر الماضي (مايو/ أيار).
تتجاوز الخطوة السعودية الأسباب التي قام عليها تجميد عضوية النظام في جامعة الدول العربية، وما تلاها من جهود عربية ودولية من أجل حلّ سياسي على أساس القرارات الدولية، ومنها قرار مجلس الأمن 2245 (دعا إلى تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية أممية مطالباً بوقف أيّ هجمات ضدّ المدنيين بشكل فوري)، كما أنّها تُسقط من الحساب الاعتراضات والتحفّظات، التي أبدتها بعض الدول العربية على دعوة رئيس النظام للمشاركة في قمّة جدّة، خلال مباحثات جرت في القاهرة مطلع مايو/ أيار من العام الماضي. وفي حينه، جرى الأخذ بوجهة نظر الأطراف الداعية إلى الانفتاح على الأسد، وكانت التبريرات والتقديرات تشير إلى أنّ رئيس النظام سوف يُقابل الانفتاح العربي بسلسلة من الخطوات الإيجابية في طريق تطبيع الوضع الداخلي، تمهيداً لحلّ الأزمة، ومن بين التعهّدات التي أعطاها للعرب؛ السماح بالعودة الطوعية لأكثر من مليوني مُهجّر سوري لجأوا إلى الأردن ولبنان؛ ووقف عمليات تهريب المُخدّرات إلى الأردن وبلدان الخليج العربي. ولكنّه لم ينفّذ ذلك، ويمكن اعتبار حصيلة عام من التجربة مُخيبة للآمال التي علّقها بعضهم على تغيير سلوك النظام، والدليل على ذلك، أنّه لم يحصل أيّ تقدّم ملموس في صعيد الانفتاح المُرتقب من الدول العربية لمساعدة سورية، باستثناء عودة العلاقات الدبلوماسية.
ورغم التوقّعات بنتائجَ إيجابيةٍ سريعة، فإنّ عودة الأسد إلى جامعة الدول العربية منذ عام، لم تتجاوز الإجراء الرمزي لإنهاء عزلته الإقليمية، وبدء التطبيع السياسي، الذي من المُفترَض أن يترافق مع تطبيع اقتصادي، لا سيّما من جانب الدول العربية الخليجية، ولكن لم يتحقّق شيء من ذلك كلّه، وظهر أن العلاقات مع النظام شبه مشروطة بتحقيق انفراج داخلي، يعبّر عن نفسه من خلال خطوت ملموسة. وحتّى لو كانت الخطوة السعودية الجديدة تشجيعية، ومحطّة بداية، فإنّ الطريق نحو الحلّ يبدو طويلاً، ولن يكون سهلاً، وهناك عوائق عدّة مُهمّة، في مقدمتها وصول النظام إلى حالة من التفكّك، تجعل من إعادة تأهيله مُهمّة شبه مُستحيلة، فهو يعاني من انقسامات داخلية، وتتنازعه كلّ من إيران ورسيا، في وقت لا تزال فيه سلطة الدولة مُقيّدة في أغلب المناطق، وتهيمن قوى الأمر الواقع على المساحة الأكبر من الجغرافيا السورية. وبالتالي، تنتظر المسألة السورية معالجةً من نمط مُختلف، تقوم على إرادة دولية عربية من أجل فرض تسوية لا تقوم على إعادة تأهيل النظام، الذي بلغ قمّة الإفلاس. ولا يبدو أنّ هذا الأمر مطروحٌ على جدول الأعمال الإقليمية والدولية، في ظلّ حرب إسرائيل على غزّة، وحرب روسيا على أوكرانيا.