سورية في قمّة الرياض والرهانات العربية المتنافسة
من الواضح أنّ العنوان الرئيس لقمّة الرياض العربية المرتقبة يتمثل بوقف قرار تجميد مشاركة النظام السوري في اجتماعات جامعة الدول العربية، بما في ذلك دعوة رئيس النظام نفسه، بشّار الأسد، إلى القمة، وهو التوجّه الذي استغرق اهتمامات حكومات عربية عديدة، في اجتماع وزراء دول مجلس التعاون الخليجي والأردن والعراق ومصر في جدة، في إبريل/ نيسان الجاري، أو حتى زيارة وزير الخارجية السعودية، فيصل بن فرحان، دمشق، في محاولة ترتيب الأمور تمهيداً للخطوة المتوقعة.
ثمّة ثلاث مقاربات عربية بهذا الخصوص: الأولى التي باتت السعودية تقودها اليوم، وتتمثل بالحديث عن دعوة الأسد وتطبيع العلاقات وطيّ صفحة الخلافات التي حدثت منذ الربيع العربي 2011. وتتصدّر السعودية هذا التوجّه بعدما كانت الجزائر تحاول قيادته خلال القمة العربية هناك العام الماضي، وتسير بالخط نفسه دول عربية أخرى. الثانية التي ترفض ذلك قبل تسوية الملفّات العالقة، بما فيها الأوضاع في سورية، وفي مقدّمتها قطر التي صرّح رئيس الوزراء وزير الخارجية، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بموقفها بأن أسباب تعليق عضوية المشاركة ما تزال قائمة. الاتجاه الثالث أطّره الأردن، قبل أعوام، وعمل عليه في اجتماعات دولية وعربية، في ما سمّي دبلوماسية "الخطوة بخطوة"، بمعنى ربط عودة سورية بحلّ الأزمة السياسية هناك، بما في ذلك فكفكة ملفات حيوية عديدة.
على الطرف الأول، ثمة إصرار سعودي على أن يكون هنالك عنوان مميز للقمّة في الرياض الشهر المقبل (مايو/أيار)، وهو حضور الأسد، وذلك يأتي في سياقٍ متصل بالاتفاق السعودي - الإيراني، والدور "القيادي" الذي تسعى السعودية إلى تعزيزه، بوصفها القادرة على تأطير مواقف عربية جديدة، وهو دورٌ يتباين مع المواقف الأميركية والغربية عموماً تجاه الملف السوري. ويبدو أنّ هنالك رسائل متكرّرة ومتتالية سعودية إلى الإدارة الأميركية نحو إعادة ترسيم قواعد جديدة للعلاقة، خاصة مع التطوّر الملحوظ في العلاقات السعودية - الصينية.
يرتبط إصرار اتجاه رسمي عربي على عدم وقف تجميد العضوية باستمرار الأزمة السورية وما أنجبته من كوارث إنسانية وسياسية
لا ينفصل الحراك السعودي، بالضرورة، عن الحراكات الإقليمية الجارية، ومحاولة النظام الإقليمي العربي إعادة تصميم قواعده، بعد الهزّات العنيفة التي تعرّض لها خلال العقد الأخير، وما ترتب عليه من تراجع الدور الأميركي مقابل صعود قوى إقليمية رئيسية، إيران وتركيا، وبروز الصراعات البينية العربية على تحديد القوى المهيمنة أو الرئيسية في النظام الإقليمي الجديد. وهنا يبرز السؤال ليس فقط في ما يتعلّق بوقف تجميد العضوية السورية، بل بمن يوقف قرار التجميد، بمعنى صاحب المفتاح في تقرير الموقف.
على الجهة المقابلة، يرتبط إصرار اتجاه رسمي عربي على عدم وقف تجميد العضوية باستمرار الأزمة السورية وما أنجبته من كوارث إنسانية وسياسية، وباستمرار الأوضاع المأساوية هناك، مع تهجير ونزوح أكثر من السكان من دون وجود حلّ سياسي، بل بشعور النظام السوري اليوم بالتفوّق والانتصار وهزيمة رهانات المعارضة المسلّحة والرهانات الدولية والإقليمية عليها. وبالتالي، فإنّ تعليق التجميد اليوم يعني، وفقاً لهذه المقاربة، وضع الخيوط كافّة بيد النظام الذي لا توجد مؤشّرات على نيّته إيجاد حلول سياسية توافقية سلمية للأزمة، طالما أنّه يشعر بالانتصار الداخلي.
بين المقاربتين، تقع المقاربة الدبلوماسية الأردنية (الخطوة خطوة). ومعروف أنّ الأردن كان من أوائل الدول التي عملت على إيجاد قنوات سياسية لحلحلة المشكلة السورية، منذ أعوام، وتمت صياغة المبادرة، ومحاولة الحصول على تأييد عربي لها، لإيجاد طريقٍ مقبولٍ ما بين إيجاد حلول سياسية داخلية تحدّ من الآثار الكارثية الإنسانية للأزمة والموقف العربي والمواقف الغربية والأميركية، خاصة أنّ هنالك قرارات أممية في ما يتعلق بالعقوبات على سورية، من بينها قانون قيصر.
أي خطوات أردنية لن تكون مجديةً من دون وجود موافقة أو توافق مع الدول الغربية والولايات المتحدة على ذلك
في متن المقاربة الأردنية التي تنطلق من أهمية عودة سورية إلى الحاضنة العربية، ومن خطورة الفراغ الراهن في النظام الإقليمي العربي، الذي أضعف الحالة العربية ومنح إسرائيل مساحة استراتيجية للمضي في إنهاء أي أمل بحل القضية الفلسطينية والقضاء تماماً على حلّ الدولتين، وهو الأمر الذي كان ملحوظاً في الموقف الأردني الرافض، ضمناً، صفقة القرن، وعلناً لنقل السفارة الأميركية للقدس، والمؤكِّد على أن أي تطبيع عربي إسرائيلي لا بد أن يرتبط بحلّ القضية الفلسطينية.
إلى جانب الاعتبارات السابقة، ثمّة اعتبار لا يقل أهمية في بناء المقاربة الأردنية، ويتمثّل بملفي اللاجئين السوريين، والحدود الشمالية للمملكة، فهنالك ما يزيد على 600 ألف لاجئ سوري في الأردن، بما يحمّل الأردن أعباء اقتصادية وإنسانية كبيرة، ولا إشارات واضحة من النظام، حتى بعد السيطرة على المناطق الجنوبية، في إعادتهم. وهنالك تفصيلات مهمة في الملف، تمنع عودة اللاجئين طوعياً، من دون ضماناتٍ إنسانية وقانونية وسياسية، برعاية دولية وإقليمية، حقيقية.
أما الحدود الشمالية فقد تحوّلت خلال العامين الماضيين إلى مصدرٍ من مصادر تهديد الأمن الوطني الأردني، عبر شبكات إقليمية للتجارة بالمخدّرات، بما يشكّل عبئاً عسكرياً وأمنياً كبيراً، مع حضورٍ لافت لما يطلق عليها السياسيون الأردنيون "مليشيات طائفية" ترتبط بالمصالح الإيرانية. فوق هذا وذاك؛ وبالرغم من أهمية المصالح الاقتصادية المتبادلة الأردنية السورية، إلاّ أنّ أي خطوات أردنية لن تكون مجديةً من دون وجود موافقة أو توافق مع الدول الغربية والولايات المتحدة على ذلك، لأنّ هنالك قوانين وعقوبات ستُفرض على القطاع الخاص الأردني الذي يخرق تلك القرارات الأممية.
لا تبدو كلمة السرّ اليوم في عودة النظام السوري أم لا، بقدر ما ترتبط بمن يقود النظام الرسمي العربي الإقليمي الجديد
السؤال، في ظل التسارع نحو التطبيع العربي مع سورية، ما إذا كان ذلك قد تجاوز المبادرة الأردنية ومحاولة تطوير خريطة طريق مع النظام السوري تربط أي خطواتٍ بهذا الخصوص مع حل الأزمة الداخلية؟ والجواب: أنّه بالرغم من الاجتماعات المتكرّرة والتأكيد المتكرّر من دول عربية على ضرورة تهيئة البيئة الداخلية السورية لتلك المرحلة، فإنّ الوقت القصير المتبقي على قمة الرياض قد لا يسعف إلّا في وعود عامة فضفاضة، من دون إجراءات واضحة مرسومة، في ظل الرغبة الشديدة لدى دول عربية عديدة بدعوة الأسد إلى قمة الرياض، وعدم وجود تنسيق أو تفاهم مع الأميركيين والغربيين على هذا التوجّه.
لا تبدو كلمة السرّ اليوم في عودة النظام السوري أم لا، بقدر ما ترتبط بمن يقود النظام الرسمي العربي الإقليمي الجديد، ومن يملك على بناء المواقف والقرارات، أو بعبارات الغربيين البراغماتية: Who delivers؟ وهو سؤال ليس برسم الإجابة في ما يتعلق بالسوريين، بل في الإيرانيين والإسرائيليين اليوم.