سيناريوهات ليبية
يبدو أن الوضع الراهن في مدينة سرت هو الذي سوف يتدخل، إلى حدٍّ كبيرٍ، في رسم مسار الوضع الليبي. ويراوح المراقبون بين عدة سيناريوهات متضاربة، حسب التطورات التي سوف تسفر عنها الأسابيع القليلة المقبلة. الأول، الحرب بين قوات حكومة الوفاق التي تدعمها تركيا وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر التي تمركزت في المدينة، بعد أن خسرت، في الشهرين الأخيرين، مدن الساحل الغربي، وقاعدة الوطية ومدينة ترهونة، وتساندها ميدانياً مليشيات من مرتزقة فاغنر الروسية ومرتزقة من السودان وسورية، بالإضافة إلى دعم جوي من الطيران الحربي الروسي والمصري والإماراتي. والسيناريو الثاني، أن تتفق الولايات المتحدة وروسيا على تسويةٍ سياسيةٍ تقدم فيها الأطراف كافة تنازلات. وفي حين تبدو موسكو حاسمة لموقفها منذ زمن طويل إلى جانب حفتر، وتسانده عسكرياً وسياسياً، أكدت واشنطن في اجتماعات مع ممثلي حكومة الوفاق (وزير الداخلية) معارضتها جميع التدخلات الأجنبية في ليبيا، وضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، والعودة إلى مائدة المفاوضات الأمنية والسياسية التي تسهلها الأمم المتحدة. أما السيناريو الثالث فهو بقاء الوضع الحالي على ما هو عليه، من دون حرب أو سلم، إلى حين، بسبب خطورة خيار الحرب، وتعذّر الوصول إلى تسوية، بسبب إصرار المعسكر الداعم لحفتر على استبعاد حكومة الوفاق وما تمثله من أي حل ليبي. وفي حين تبدو شروط طرفي النزاع عالية السقف، بدأت ترتفع الأصوات الدولية الداعية إلى وقف الحرب، مثل الولايات المتحدة، وبعض بلدان أوروبا كألمانيا وإيطاليا.
ومنذ وصلت قوات حكومة الوفاق إلى مشارف سرت قبل أسبوعين، فإن الاستعدادات والحشود العسكرية والضغوط السياسية لم تتوقف من معسكر خليفة حفتر المتمثل، في صورة أساسية، بروسيا، الإمارات، السعودية، فرنسا، ومصر. وشرعت الأخيرتان في إطلاق التصريحات، وكان أبرزها تصريح الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، اعتبار سرت والجفرة خطّاً أحمر أمام قوات الوفاق من جهة. ومن جهة ثانية، صعد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مواقف بلاده تجاه أنقرة، حين قال يوم الإثنين الماضي "تركيا تمارس لعبة خطيرة في ليبيا، وتخرق جميع الالتزامات التي تعهدت بها في مؤتمر برلين"، مُضيفاً أن فرنسا "لن تتسامح مع تدخل تركيا". وردّت وزارة الخارجية التركية، واعتبرت تصريحات ماكرون "خسوفاً للعقل". وحمّل المتحدث باسم الوزارة فرنسا "مسؤولية كبيرة في جرّ ليبيا إلى الفوضى، عبر دعمها كيانات غير شرعية سنوات، وبالتالي فهي التي تلعب اللعبة الخطيرة في ليبيا".
ولا يبشّر تبادل التصريحات النارية بين باريس وأنقرة إلى تبريد قريب للأجواء، في وقت تؤكّد التصريحات التي تصدر من أنقرة وموسكو سعيهما من أجل وقف إطلاق النار في ليبيا. وإذا ما نجحت تركيا وروسيا في الاتفاق فإن القسم الأكبر من القضية الليبية يأخذ طريقه إلى الحل، لأن حكومة الوفاق لا تستطيع مواصلة الحرب من دون دعم تركيا المباشر، كما أنه لولا تدخل روسيا لكانت قوات حفتر خسرت سرت، وربما القسم الأكبر من الشرق، وهذا أمر ظهر بوضوح حينما تقدّمت قوات "الوفاق" نحو سرت. وعلى أي حال، وقف النار المقبول من "الوفاق" هو على أساس اتفاق الصخيرات 2015، والذي يقضي بانسحاب حفتر من سرت والجفرة.
وفي حين يتابع العالم تطورات ليبيا بقلق بالغ، يظل أبغض السيناريوهات هو الذهاب نحو التقسيم. وفي هذه الحالة، لن يقف الأمر عند انفصال الشرق عن الغرب، بل يمكن أن تتجزأ الدولة الليبية إلى ثلاثة أقاليم، برقة في الشرق، وفزان في الجنوب، وطرابلس في الغرب.