سينمائية الانتخابات الأميركية
ما تشهده يوميات الانتخابات الرئاسية الأميركية منذ أشهر فاق كل تخيّلات العقليات السينمائية الهوليودية التي تحدّثت أفلامها عن الرؤساء وأدوارهم، وحتى عندما كانت هذه الأفلام تتعاطى مع المهام الرئاسية بطريقة كوميدية، غير أنها لم تصل إلى مشارف الواقع الذي نتابعه اليوم.
جديد مشاهد الصراع الانتخابي بين الرئيس الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب أخيراً محاولة الاغتيال التي تعرّض لها ترامب في بنسلفانيا، وإصابته في طرف أذنه اليمنى برصاص قنّاص مراهق لم تُعرف بعد خلفيات فعلته. لم يكن ترامب بحاجةٍ إلى مثل هذه الحادثة، حقيقية كانت أم مفبركة، لضمان فوزه في الانتخابات الرئاسية، وخصوصاً أن استطلاعات الرأي تعطيه تقدّماً صريحاً، وحتى سهلاً، على خصمه. غير أن عقلية ترامب التي عايشناها في سنوات ولايته الأربع لا يستبعد عنها رسم سيناريو الاغتيال ليكون محطّة تاريخية في الانتخابات الرئاسية الأميركية سنوات طويلة. وربما ترامب نجح في ذلك، حتى إن كانت المحاولة حقيقية، عبر الصورة التي التُقطت له، وهو يحيي أنصاره وسط حرّاسه الشخصيين وخيط الدم مرسوم على وجهه. هناك إجماع اليوم على أن الصورة أيقونية، وتتخطّى المشاهد السينمائية، وستبقى حاضرةً في التاريخ الأميركي، وهي توازي، إلى حدٍّ ما، صورة معركة "أيو جيما" التي التقطت في نهاية الحرب العالمية الثانية لستة جنود أميركيين يرفعون العلم الأميركي على قمّة جبل سوريباتشي في اليابان، والتي تحوّلت إلى نصب تذكاري في مدينة أرلينغتون في فرجينيا.
استغلّ ترامب اللحظة إلى أبعد حد لينال رسمياً ترشيح الحزب الجمهوري في المؤتمر الذي عقد في ميلووكي قبل أيام، وظهر فيه الرئيس السابق وهو يضع ضمّادة على أذنه اليمنى، وكذلك فعل الآلاف من أنصاره الذين حضروا المؤتمر.
لم تنته مشاهد الأيام الأخيرة هنا، فعلى المقلب الآخر، خرج معسكر الرئيس الحالي، جو بايدن، ليعلن إصابة الأخير بفيروس كورونا، وابتعاده عن الحملة الانتخابية في فترة الحجْر الصحّي. يوحي الإعلان بأن هناك سباقاً على حصد التعاطف بين المرشّحين وجمع "الإعجابات"، على غرار ما يجري على منصّات التواصل الاجتماعي. غير أن وضع بايدن أعقد بكثير من أن يؤدّي إعلان إصابته إلى تعديل موازين القوى مع ترامب، خصوصاً مع الجدال الكبير القائم داخل الحزب الديمقراطي، وبين الداعمين للحزب، حول أهلية الرئيس الحالي للاستمرار في الحملة الانتخابية. جدالٌ لم يُحسم بعد، بل يزداد تفاعلاً يوماً بعد آخر مع قطع داعمين عديدين تمويلهم حملة بايدن، ريثما يحسم الحزب خياره من استمرار الرئيس في حملته أو الانسحاب لصالح مرشّح آخر، وهو ما قد يحدُث في الأيام القليلة المقبلة.
أيضاً هذا سيناريو، في حال تحقّق، لم يحدُث في أي من الأفلام الأميركية التي تناولت الانتخابات الرئاسية، وأيضاً لم يحصل في أي من الانتخابات السابقة، إذ لم يسبق أن ظهر مرشّحٌ بشكل مفاجئ على الساحة قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات، والأنكى أن الحزب الديمقراطي اليوم غير متفق بشكلٍ كامل على شخصية المرشّح الذي سيخوض الانتخابات في حال قرّر جو بايدن الانسحاب.
وبغض النظر عن المشهدين الأخيرين، أي محاولة اغتيال ترامب وجدال أهلية الرئيس الحالي، فإن مسار الانتخابات الرئاسية الأميركية منذ بدايتها أخذ منحىً سوريالياً، حين حُصر التنافس بين مرشّحيْن لا يمكن أن يعكسا الثقل السياسي العالمي للولايات المتحدة، فالمرشّح الأول، أي الرئيس جو بايدن، بات هناك إجماعٌ على أنه على مشارف الإصابة بالخرف، إن لم يكن مصاباً فعلاً، بعد كل الزلّات والهفوات التي قام بها خلال سنوات رئاسته أو في حملته الانتخابية، وجديدها أخيراً الخلط بين الرئيسين، الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والروسي فلاديمير بوتين، أو بين نائبته كامالا هاريس ومنافسه دونالد ترامب. أما المرشّح الثاني (ترامب)، فهناك إجماع أيضاً على خطره على الولايات المتحدة نفسها، وعلى العالم، وخصوصاً بعد اقتحام أنصاره الكونغرس بعد خسارته الانتخابات الماضية. وهو رغم رفضه من أطراف كثيرة من داخل الحزب الجمهوري واتهامه بقضايا عديدة أمام المحاكم الأميركية، إلا أنه استطاع ابتزاز الجميع والحصول على ترشيح الحزب.
الانتخابات الأميركية اليوم هي سيناريو هزلي لم تُكتب نهايته بعد، لكنها من المؤكّد أنها لن تكون نهاية سعيدة أو مضحكة.