صدّام كامل .. ياسر جلال
مؤكّدٌ أن نظام صدّام حسين البائد في العراق أقلّ مهارةً من النظام الراهن في مصر، برئاسة عبد الفتاح السيسي، في ترويج كلٍّ منهما نفسَه دعائيا. وإذ لا تنجو الدراما التلفزيونية من استخدام الأخير لها في هذا، فإن ذاك لم يغفل عن السينما في الغرض نفسه. ولمّا كان من بديهيّ المعلوم أن ما لدى مصر من قدراتٍ وإمكاناتٍ، وخبراتٍ وكفاءاتٍ متنوّعة، في هذا القطاع، لا يجعل للذي كان يأتيه صدّام حسين مساحةً للمقارنة مع الذي يأتيه السيسي حاليا، غير أن مواطن الفجاجة الدعائية المفضوحة في منتوجات الدراما المصرية من أجل تسويق السلطة الراهنة في مصر طاهرةً مقدامةً تجعلنا نقع على أشباحٍ بعثيةٍ صدّاميةٍ في هذا اللون من مصنوعات هذه الدراما. وإذا كان قد زيدَ وعيدَ، أخيرا، في القول إنها المرّة الأولى في مصر التي يحدُث أن يُنتَج عملٌ دراميٌّ عن رئيسٍ في أثناء حياته، وقد جرى تشخيص أنور السادات وجمال عبد الناصر بعد رحيلهما، فإنها ليست المرّة الأولى عربيا، ففي أراشيف الأمة العربية يقيم فيلم "الأيام الطويلة" (1980) عن هروب صدّام حسين بعد محاولته، مع رفاقٍ بعثيين له، في 1959، اغتيال الرئيس عبد الكريم قاسم. وستنضمّ إلى الأراشيف نفسها متوالية مسلسل "الاختيار"، والذي يتعلق الثالث منه، المُشاهَد في موسم رمضان الحالي، بما يعدّه صنّاع هذا العمل التلفزيوني، بإشراف المخابرات ووزارة الدفاع، إنقاذ عبد الفتاح السيسي مصر من حكم الإخوان المسلمين في 2013.
مُنع "الأيام الطويلة" من العرض في العراق، بعد أعوامٍ من إنتاجه، في عهد صدّام حسين نفسه، بسبب انشقاق صدّام كامل الذي أدّى في الفيلم دور صدّام حسين، مع شقيقه حسين كامل (وهما زوجا رنا ورغد، ابنتي صدّام حسين الذي أمر بقتلهما). ولأن الله وحدَه علّام الغيوب، ولأن الأيام دولٌ، ولأن التاريخ دوّار، فإن في وسعك أن تبيح لخيالك (خيالك فقط) أن يسرح كيفما اتفق، فتتصوّر أن "الاختيار" قد يصير، في يومٍ ما في سنةٍ ما، ممنوعا من العرض في مصر. ولا يتمنّى كاتب هذا الكلام هنا للممثل المصري ياسر جلال (53 عاما)، النهاية الشكسبيرية التعيسة التي قضى فيها نظيرُه العراقي صدّام كامل عن 36 عاما، بل المتمنّى له أن يطول عمرُه، فيتأمل في تصاريف التاريخ، ويقرأ فيها ومنها وعنها، فيلحظ أي مواضع أقام فيها المزيِّفون الكاذبون على التاريخ نفسه. وإذا كان هذا الشاب، المُجيد في أدوارٍ سابقة له، يُطربه، في هذه الأيام، فائض الإطراء الذي يُخلع عليه إعجابا بتشخيصه السيسي، بأداءٍ متقنٍ بحسبهم، بالغ التصنّع بحسب صاحب هذه الكلمات، فإن عليه، في الوقت نفسه، أن يكترث بطوفان السخرية منه ومن الأورام المتوهّمة بطولاتٍ في السيسي في المسلسل.
أما وأن "الأيام الطويلة" فيلمٌ ركيك، وسقطةٌ مشهودة للمخرج القدير، المصري الراحل توفيق صالح، فهذا من نافل القول، ولكنها شائقة قصة إنجاز الفيلم، وكتابة عبد الأمير معلة حكايته، وتصويره وترويجه، ثم منعه. ومن تفاصيل كثيرة من هذا كله أن صدّام حسين استقدم المخرج ليشاهد معه الفيلم في عرضٍ خاصٍّ قبل عرضه العام، وبحضور آخرين بينهم وزراء ومسؤولون كبار. وعندما مرّت لقطة نزع طبيبٍ رصاصةً من ساق صدّام (يؤدي الدور على الشاشة قدّامهم صدّام آخر)، أصيب بها، بدا صدّام في مشهدٍ يشعر بألمٍ خفيف في الأثناء. وهنا، سأل صدّام (الرئيس طبعا) الطبيب نفسه الذي كان في الصالة مع الجميع ما إذا كان فعلا قد تأوّه من الألم (في 1959)، فنفى الرجل بشدة (!)، فطلب منه أن يُبلغ المخرج بهذا بين الحضور، ثم كان الأمر أن يجرى تعديلٌ على اللقطة قبل عرض الفيلم للعموم .. وتفاصيل ما جرى لإحداث التعديل في تلك الليلة مثيرة.
كان صدّام حسين في "الأيام الطويلة" بطلا شجاعا جسورا مقداما. أظهره هكذا ابن عمٍّ له، شبيهٌ له في عشرينياته، اسمُه صدّام كامل. وعبد الفتاح السيسي في "الاختيار 3" حكيمٌ فاهمٌ منقطعٌ للتفكير ببلده وشعبه، يستشرف الأخطار قبل حدوثها، ويأخذ القرار السديد في كل سانحة. هكذا يُظهره ممثلٌ حلَق مقدّمة شعره ليصلح للدور تماما، اسمه ياسر جلال.