طرابلس لبنان .. إهمال وفقر ومحاولة الفتنة
مساء يوم الجمعة، في التاسع من سبتمبر/ أيلول الجاري، هزّت مدينة طرابلس في شمال لبنان جريمة مروّعة ذهب ضحيتها أربعة أشخاص، عندما أقدم مسلحون وصلوا مقنّعين على درّاجات نارية إلى ساحة التلّ في المدينة على إطلاق النار من بنادق حربية رشّاشة على أحد المحلّات المخصّص لبيع الهواتف الخلوية، وترافق ذلك مع إلقاء المسلحين قنبلة يدويّة لم تنفجر.
أخذ الحادث شكل محاولة السلب والسطو بقوّة السلاح، غير أنّه أدّى إلى مجزرة مروّعة هزّت المدينة، ودفعت مرجعياتها وشخصياتها السياسية والدينية إلى التحذير من مغبة الانزلاق إلى فتنة بين المسلمين السُنّة والعلويين، خصوصاً أنّ المحل لأحد أبناء الطائفة العلوية من أبناء بعل محسن، فيما العاملون فيه من السُنّة من أبناء المدينة. كما حذّرت المرجعيات من جرّ شباب طرابلس إلى مواجهاتٍ فيما بينهم تدمّر المدينة، وتعيدها إلى أجواء كانت سائدة قبل نحو عشر سنوات، عندما كان الاقتتال يجري بين حيّي بعل محسن وباب التبانة.
ولبنان يعيش أزمة حادّة على المستويات المعيشية والاقتصادية والاجتماعية، حيث بلغ سعر صرف الدولار أمام الليرة اللبنانية مستوى غير مسبوق، فتراجعت القدرة الشرائية للبنانيين؛ وانسداداً في أفق الحلول السياسية، حيث لم يُصر إلى تشكيل حكومة جديدة، على الرغم من إجراء الانتخابات النيابية في منتصف شهر مايو/ أيّار الماضي، وهو ما يُنذر أيضاً بفشل انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال عون في آخر شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. وتراجعاً في منسوب التفاؤل، فيما يتصل بقضية ترسيم الحدود البحرية مع "إسرائيل"، وما يمكن أن يحمله ذلك من فرصة لاستثمار النفط والغاز المكتشف في المياه الإقليمية اللبنانية، يتخوّف الجميع فيه من خروج الأمور عن نطاق السيطرة إلى حالة من الفتنة والفوضى العارمة، وبغض النظر عن الجهة التي يمكن أن تنظّم ذلك أو تقف خلفه.
يركب سكان مدينة طرابلس "زوارق الموت" باتجاه المجهول، هرباً من جحيم الحياة في لبنان بشكل عام، وفي طرابلس والشمال بشكل خاص
وتعيش طرابلس في شمال لبنان حالة مضاعفة من الإهمال والفقر وتردّي الوضع الاقتصادي والمعيشي، حتى إنّ شبّانها وعائلاتها غدوا يركبون "زوارق الموت" باتجاه المجهول، هرباً من جحيم الحياة في لبنان بشكل عام، وفي طرابلس والشمال بشكل خاص. ولعلّ في غرق أحد الزوارق، قبل بضعة أشهر، عبرة، وأكبر مثال على مستوى ما تعانيه وتعيشه المدينة من إهمال وفقر وبطالة وانتشار للجريمة والمخدّرات وفوضى السلاح.
وقد تكون الجريمة الأخيرة التي أسقطت أولئك القتلى هي فعلاً بدافع السلب والسرقة والسطو المسلح، بسبب المعاناة؛ ولكنّها أيضاً قد تكون محاولة مكشوفة لإغراق المدينة بالفوضى والفتنة، وإعادتها إلى حالة التوتر الكفيلة بالقضاء على أي أمل بالخروج من الأزمات الاقتصادية والحياتية، والتي قد تدفع أهل المدينة إلى الهجرة والرحيل عنها، في مشهدٍ يشبه ما حصل في المدن المجاورة لها في سورية والعراق، عندما جرى تهجير أهلها إلى أصقاع الأرض.
محاولة مكشوفة لإغراق المدينة بالفوضى والفتنة، وإعادتها إلى حالة التوتر الكفيلة بالقضاء على أي أمل بالخروج من الأزمات الاقتصادية والحياتية
جرى الحديث، قبل فترة وجيزة، في الإعلام، عن مجموعات "متطرّفة" تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة وغيرهما كامنة في المدينة، وتعمل على محاولة الانقضاض عليها في اللحظة المناسبة. وجرى تسويق مثل هذه الروايات من خلال توقيفات طاولت بعض الأشخاص، فيما جرى قبل مدة سبقتها الحديث عن انتقال شبّان من أبناء المدينة إلى مناطق في سورية والعراق، للالتحاق بتلك التنظيمات هناك. وبالفعل، تبيّن لاحقاً أن بعض هؤلاء غير موجودين في المدينة، من دون التأكّد إذا ما كانوا فعلاً خارج لبنان!
يسيطر القلق على المدينة الصامدة على شاطئ المتوسط من سيناريوهات وخطط، قد تكون معدّة كي تُقدّم المدينة على "مذبح" التسويات الإقليمية والمحلية في زمن انسداد أفق الحلول بين القوى المتصارعة على المصالح والنفوذ في المنطقة.