عام على العهد الثاني في عُمان
خلال عام من حكمه، أصدر سلطان عُمان، هيثم بن طارق، ثلاثة قرارات بالعفو، آخرها يوم 12 يناير/ كانون الثاني الجاري، بمناسبة تولي عرش بلاده، واستفاد منها أكثر من ألف سجين بتهم مختلفة وبينهم وافدون، على أن أحد هذه القرارات بقي مكتوماَ، غير أن نتائجه ظهرت بعودة عدد من "المعارضين" من الخارج، مع ضمانات بسلامتهم وعدم متابعتهم وتمتيعهم بحرية التعبير "وفقا للقوانين". وبين العائدين تبرز شخصية مهمة من آل سعيد الحاكمة، جمشيد بن عبد الله آل سعيد، آخر سلطان لزنجبار التي كانت خاضعةً لسلطنة عُمان. أطيح به في ثورة دموية عام 1964 في ذلك البلد الذي أصبح الآن جزءا من دولة تنزانيا، إلا أن سلطات بلاده لم تأذن له، منذ ذلك الحين، بالعودة، حتى أعاد له السلطان هيثم بن طارق هذا الحق، فعاد السلطان السابق جمشيد من منفاه في لندن إلى مسقط أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، وقد بلغ 91 عاما.
وفي واقع الحال، لم تكن سلطنة عُمان بوليسية في عهد السلطان المؤسس قابوس آل سعيد، غير أن الحكم فيها كان أبويا مركزيا مغلقا، إلى جانب النزعة النهضوية. مع السماح بقدرٍ طفيفٍ من حرية التعبير، وإطلاق تجربتي الانتخابات البلدية وانتخابات مجلس الشورى. وقد شاء السلطان الجديد أن يقترن اسمه وصورته بالتسامح، بل وبأكثر منه، وهو الحاجة، على مستوى وطني للحوار، وتنكّب طريق الإصلاح، وذلك ضمن إجراءات أخرى تحديثية، من بينها تعديل النظام الأساسي للدولة، مع استحداث منصب ولي العهد في السلطنة، وقد تمت بالفعل تسمية نجله ذي يزن (31 عاما) لهذا المنصب، إضافة إلى كونه وزيرا للثقافة والرياضة والشباب. ولم تشمل التعديلات استحداث منصب رئيس الوزراء من أجل الحد من المركزية. ويتولى هذا المنصب عمليا ً من تتم تسميته نائباً لرئيس الوزراء، وهو حالياً فهد بن محمود آل سعيد، الذي شارك، أخيرا، في القمة الخليجية في العلا السعودية ممثلا للسلطان هيثم الذي يقود بنفسه، وفق النظام الأساسي، السلطة التنفيذية، وعلى غرار ما هو قائم في السعودية وفي أميركا وتركيا.
تتّجه الأنظار إلى السلطان الجديد، لمتابعة ما ينوي إضافته، لتوسيع دائرة المشاركة في الحكم. ولمنح صلاحياتٍ تشريعيةٍ ورقابيةٍ على مجلس الشورى
وكما الحال في دول خليجية أخرى، فإن تحالف ممثلي المجتمع التقليدي (القبائل) والعائلات التجارية الكبيرة يمثل الجسم الرئيسي للمواقع القيادية، إضافة إلى قدر من المحاصصة المناطقية في السلطنة التي تضم 11 محافظة، وتعتبر ثاني بلد خليجي في المساحة بعد السعودية. وتتّجه الأنظار إلى السلطان الجديد، لمتابعة ما ينوي إضافته، لتوسيع دائرة المشاركة في الحكم. ولمنح صلاحياتٍ تشريعيةٍ ورقابيةٍ على مجلس الشورى، ولن يكون اسم هذا المجلس عائقا أمام منحه صلاحياتٍ تدريجية، ولكن فعلية. ويسود تفاؤلٌ بأن تمضي مسقط على هذا الطريق في عهدها الجديد الذي يتسم بقدر من الانفتاح، ففي خطابه بمناسبة الذكرى الخمسين لقيام الدولة، قال السلطان هيثم: "العمل مستمر في مراجعة الجوانب التشريعية والرقابية، وتطوير أدوات المساءلة والمحاسبة، لتكون ركيزة أساسية من ركائز عُمان المستقبل". ولئن كانت هذه المطامح تخص في المقام الأول النخبة وشرائح من الخرّيجين، فإن الشاغل الاقتصادي هو ما يشغل فئات عريضةً من الجمهور. وهو ما تلحظه "رؤية عُمان 2040" التي تسعى إلى تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على الثروة النفطية المحدودة، والتي تسهم، مع ذلك، في ما نسبته 70% من الدخل الحكومي. وقد تزامنت وفاة السلطان قابوس وتنصيب السلطان هيثم مع انخفاض متواتر في أسعار النفط، وقد أضيف إليه انتشار وباء كورونا، وما رافقه من إغلاقات لقطاعات اقتصادية. الأمر الذي حدّ من الطموحات. وسبق للسلطان هيثم أن تولى رئاسة للجنة الاقتصادية التي شاركت في إعداد هذه الرؤية. وتلحظ الرؤية ـ الخطة تقليص أعداد الوافدين في القطاع الحكومي، والمضي في سياسة التعمين، غير أن التوسع في التوظيف، وتضخيم القطاع الحكومي بقدر ما يحل مشكلات اجتماعية واقتصادية تتعلق يفئات واسعة من الجمهور، فإنه يورّث، في الوقت نفسه، مشكلات تضخّم الإنفاق الحكومي، في وقتٍ تشهد فيه الميزانية العامة عجزا مضطردا. وقد تم في العام 2011 على موقع موجة الربيع العربي توظيف أعداد كبيرة من المتعطّلين في أجهزة الدولة، وذلك لامتصاص هذه الموجة، وتهدئة الخواطر. وهو ما حدث. وبموازاة ذلك، لا تتوانى الحكومة في مسقط عن خفض الميزانية العامة بنسبة 5%، وهو ما فعلته خلال شهري مارس/ آذار وإبريل/ نيسان الماضي، وذلك في محاولةٍ للحدّ من الإنفاق والحفاظ على احتياطات النقد الأجنبي التي تبلغ أقل من 17 مليار دولار، مقابل دين عام يزيد عن 40 مليار دولار، وبما نسبته 60% من الناتج الإجمالي العام، بينما كانت نسبة الدين إلى الناتج العام لا تزيد عن 5% في 2014 .
سلطنة عُمان تمتلك موردا ذاتيا "ثقافياً" شديد الأهمية والإيجابية، ويتمثل في شيوع ثقافة احترام العمل، بمختلف مستوياته
وبينما يُبدي السلطان هيثم الثقة بتحقيق طفرة اقتصادية خلال السنوات الخمس المقبلة، في خطابه نفسه، فإنه يستحق التنويه بأن سلطنة عُمان تمتلك موردا ذاتيا "ثقافياً" شديد الأهمية والإيجابية، ويتمثل في شيوع ثقافة احترام العمل، بمختلف مستوياته، بما فيه العمل المهني واليدوي لدى مختلف شرائح المجتمع. ولئن كان توسع نطاق الحياة وزيادة قطاعاتها ومرافقها قد أملى استقدام العمالة الوافدة، إلا أن العُمانيين المكافحين واظبوا على مزاولة الزراعة والصيد والبناء والعمل في الموانئ والمصانع والحرف اليدوية وغيرها من المهن، وهو ما أسهم في توفير فرص عمل والحد من البطالة، وتثبيت العُمانيين في أماكنهم (محافظاتهم) والحدّ من هجرتهم إلى العاصمة مسقط والمدن الكبيرة، إضافة إلى ما يتسم به المجتمع العُماني من اندفاع أقل على الاستهلاك (وخصوصا الترفي والباذخ) من بقية المجتمعات الخليجية.
ولعله ليس من المبالغة القول إن سلطنة عُمان دولة فتية، تسابق الزمن لاستدراك ما فاتها، ولا تشبه إلا نفسها، سواء في المزج بين التفاعل مع قضايا الإقليم والعالم إلى درجة القيام بجهود وساطة بين أميركا وإيران، والتوجس، في الوقت نفسه، من الانغماس في الاستقطابات والمحاور، وحتى من الظهور الإعلامي الزائد أو الترويجي، وهو ما يصيبها أحيانا بتهمة الانعزال. أو في حمل نظام الدولة مُسمّى السلطنة، إلى جانب دولةٍ أخرى فقط في العالم هي سلطنة بروناي في جنوب شرق آسيا، علماً ان نظام السلطنة لا يختلف بكثير عن النظام المَلَكي.