عندما تُكَذِّب كارول سماحة مؤسّسة محمود درويش
ليس المُراد هنا أن تُصنَعَ من الحبّة قبّة، وإنما التذكير بأن إقرار أي مخطئٍ بخطئه فضيلة، واعتذارَه مطلوب، وبأن إقالة أي مسؤولٍ في أي موقعٍ عندما لا يفعل هذا ضرورة، وهي من طبيعيّ الأمور وبديهيّاتها، إلا إذا أوضح التباسا ما أو قطبةً مخفيّةً في القصة كلها، وكان مقنعا. وبذلك، لمّا آثر مدير عام مؤسّسة محمود درويش، فتحي البسّ، التشاطر والتذاكي في مسألة غناء اللبنانية كارول سماحة 11 قصيدة لمحمود درويش وأخرى منسوبةٍ إليه، لم يقنع أحدا، بعد أن صدَّقه من صدّقوه، لمّا أذاع باسم المؤسّسة بيانا، أوْحى أن المغنية (الحسنة الصوت والأداء) لم تكترِث لأي حقوق ملكيةٍ، ولا لأي اعتبارٍ قانوني، عندما أصدرت أغنياتها (الجيّدة حقا) في "الألبوم الذهبي"، بحسب ما أجادت تسميته. آثر من قرأوا البيان التسليم بكل ما فيه، صدورا عن افتراض أن الرجل في موقعٍ مسؤول، وعندما ينتقد المغنية لأدائها ما سمّتها قصيدةً لدرويش، فيما كثيرٌ منها كلامٌ منسوبٌ إليه مبعثرٌ في "فيسبوك"، باستثناء سطورٍ منه وعنوان "القصيدة" الأغنية "ستنتهي الحرب"، يؤدّي وظيفَته بكفاءة، ومرسوم إنشاء مؤسّسة محمود درويش (رقم 11 لسنة 2008)، والذي أصدره رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عبّاس، (هذان تعريفاه في ترويسة المرسوم)، يحدّد أهداف المؤسّسة، وأولها "المحافظة على جميع مكوّنات تراث الشاعر الراحل محمود درويش". ولمّا كان البيان واضحا في مطالبة كارول سماحة "الالتزام بالتوقّف الفوري عن نسبة القصيدة المحرّفة إلى محمود درويش ..."، فإنه يفعل ما عليه أن يفعل، وضمن صلاحيات المؤسّسة التي يقول البيان إنها "صاحبة الحقوق الحصرية على إرث شاعرنا الكبير".
لم يأت البيان على توقيع اتفاقيةٍ مع ملحّن الأغنيات والشريك في مشروع إنتاج الألبوم والممثّل لشركاء الإنتاج، تيسير حدّاد، تمنحُ الإذن لإطلاق "الألبوم الذهبي"، يدفع الأخير بموجبها خمسة آلاف دولار للمؤسّسة دفعةً أولى. لم تُذكَر أيّ تفاصيل مثل هذا في البيان الذي استقبله المهتمون بثناءٍ على فتحي البسّ، والذي عُيّن في موقعِه بقرارٍ من الرئيس محمود عبّاس، بموجب تنسيبٍ من رئيس مجلس أمناء المؤسّسة، زياد أبو عمرو. بدا الرجل متذاكيا، شاطرا، وهو لا يُخبِر الجمهور العام بالاتفاقية، لأمرٍ في نفسه. والراجح أنه لو لم يقترف غلطا شنيعا، ولم يرتكب إثما يجوز حسبانُه في منزلة الفضيحة، لأذاع قصة الاتفاقية، الطبيعية والمُقنعة والموثّقة حقوقَ طرفيْها، والتي تبيّن، من قبلُ ومن بعد، أن كارول سماحة لم تقترف ما يخالف أعراف القانون، ولم تسطُ على أي حقوق، حتى إذا نشر لاحقا محاميها بيانا، غايةً في التوفيق والإحكام، لا يوضح فقط الإذن الممنوحَ بموجب الاتفاقية الموقّعة، ولكنه يسمّي القصائد التي اتفق عليها، ومنها المنسوبة للشاعر الراحل، ما يفيد بداهةً بأن مؤسّسة محمود درويش لم تفحص القصائد وكلماتها، وبذلك مرّرت الخطأ البائس، أو الفعلة المستنكَرة، بصدد بعثرات "فيسبوك" التي أخذت اسما لقصيدة لدرويش "ستنتهي الحرب". ولذلك يصير البيان الغاضب الذي يتغلّف كاتبوه، والممهور بختم المؤسّسة، بالتشاطر الذي انكشف عن حيلةٍ خائبةٍ، مردودا على فتحي البسّ. وعندما يوضح بيان المحامي إن موكلته (المغنيّة كارول سماحة) عندما عرفت أن ثمّة كلاما منسوبا للشاعر في الأغنية موضع الضجّة، طلبت حذف اسم محمود درويش من العمل بعد نشره، واتخذت "إجراءاتٍ" لتصويب الواقع، وهو "ما يتطلّب بعض الوقت من الناحية الفنية".
وبدل أن يستحي القائم على أمر مؤسّسة محمود درويش من أن المغنيّة أقرّت بخطأ مرّ عليها، وبأنها تعمل على التصويب، اعتصم بالصمت، ولم يوضِح، ولم يبادر أمام الجمهور إلى إشهار أنه هو الآخر سيصوّب خطأه، باعتذارٍ بديهي، اكتفى بالردّ على من خاضوا في المسألة، منتقدين إهمالَه وتسرّعه وجريرته، بأن "الأمور ليست كما يبدو" في تعقيبٍ خجولٍ على بعض التعليقات، من دون تنوير أحدٍ بما هي الأمورُ عليه. فيما الحاجةُ أكثر من ملحّة، عندما يذكُر المحامي إن موكّلته (كارول سماحة) "استحصلت على الحقوق العائدة للمؤلف (باستثناء "ستنتهي الحرب"!!)، من ورثة الشاعر، حسب الأصول القانونية، "فيما تمنّعت مؤسّسة محمود درويش عن إبراز أي مستندٍ قانوني يؤكّد أنها المالك الحصري الوحيد لحقوق الملكية للشاعر محمود درويش، كما زعمت سابقا"، وعندما يتدخّل شقيق الشاعر، زكي درويش، ويبدي امتعاضَه من المؤسّسة، وقبل ذلك وبعدَه، عندما يجيز فتحي البسّ غناء "ستنتهي الحرب"، من دون تدقيقٍ أو فحصٍ مسبق، فذلك كله (وغيره ربما) يوضِح أن هذا الرجل في موقعٍ غلط لا يستحقّه، وعليه أن يعتذِر ثم يُقال.