04 نوفمبر 2024
عندما يموت المسرح التجاري
يتراجع المسرح التجاري، الكوميدي وغيره، في مصر، ويكاد يختفي، لأسباب عدة، يطول شرحُها، من أهمها ازورار زبونه الأساسي، الجمهور، عنه. وكان هذا اللون من المسرح، والذي يتبع القطاع الخاص، في عقودٍ ماضية، يعرف ازدهارا وفيرا، ما جعله صناعةً إنتاجيةً رابحة، خصوصا بالنظر إلى انجذاب السياح العرب في مصر له، ما قد يجيز القول إنه كان من مصادر الدخل القومي (كما حفلات أم كلثوم وعبد الحليم وشادية وغيرهم). ويمكن الزعم إن احتضار هذا المسرح، بتنويعاته الكوميدية والتهريجية، الممتعة والمسلية والبيْن بيْن، إنما يتّسق مع حالٍ عام في مصر، يعرف انحسارا واسعا لثقافة الذهاب إلى المسرح، وضعف الإنتاج السينمائي كمّا ونوعا. وإذا كان في الوسع أن يرى الناظر في هذا الأمر أن من أسبابه غياب النجوم، من وزن ماري منيب وفؤاد المهندس وغيرهما، وتقدّم أعمار عادل إمام ومحمد صبحي ومحمد نجم وغيرهم، فإنه يمكن القول، أيضا، إن ظاهرةً استجدّت في السنوات القليلة الماضية تساهم، بقوة، في موت المسرح التجاري، سيّما وأنها ظاهرةٌ أوجدت نجومها، لا تزيّد في القول إنهم البديلون عن أولئك الفنانين الضاحكين المُضحكين، بل هم يصنعون الآن بديل هذا المسرح.
يتعلق الحديث هنا بالفضائيات المصرية، والمذيعين البارزين فيها، في برامج متنوعة، يثرثرون فيها كما يشاءون، وفي أي شأنٍ يريدون. أروحَ لك الجلوسُ في المنزل، في السهرة، وبيدك "الروموت كونترول"، والتنقل من واحدةٍ إلى أخرى من هذه التلفزات، والإنصات إلى ما يقوله هؤلاء، وضيوفُهم أحيانا، عن الإرهاب وقطر وإيران وسورية ولبنان والإخوان المسلمين وعبد الفتاح السيسي، وفي غير هذه الموضوعات مما يستجدّ ويطرأ من أحداث ووقائع يومية، ساخنةٍ أحيانا، أكثر بهجةً وإمتاعا، وتيسّر مقادير من الضحك والتسرية عن النفس أوفر مما قد يفتعله ممثلون غير موهوبين، في مسرحياتٍ لا مستوى لها، التهريج في الفضائيات، والاستماع له ومشاهدته من المنزل، حيث الدفء الشخصي، أوقع وأعلى منزلةً مما فيها، وليس على الخشبات سمير غانم وشويكار وسيد زيان والمنتصر بالله وسعيد صالح وأمين هنيدي، وغيرهم.
من أين لك أن تسمع على أيّ مسرحٍ، في أي عرضٍ تهريجي، أن الأمراء والوزراء المحتجزين في السعودية (إلا اثنين منهم!) كانوا على علاقةٍ بالإخوان المسلمين؟ وعلى شاشةٍ أخرى، تسمع أنه تم القبض عليهم بسبب صلاتٍ لهم بقطر. مع انحسار مستوى جودة النكتة (بل وعبقريتها أيضا) في مصر الراهنة، ليس متوقعا أن تجود قرائح الباقين على مسرح تجاري بكركترات مثل توفيق عكاشة وعمرو أديب، وقد تفوّقا، في أداءٍ على كثيرٍ من السماجة غالبا، في مقاطع لهما غير قليلة في برامجهما، على نفسيْهما، ليس في مقدور المسارح المترنّحة، والمحتضرة، أن "تبدع" بمثل ما "يُبدع" المذكوران وأقرانهما (وزوجات بعضهم)، ومنهم مثلا إبراهيم عيسى الذي يستطرد، من دون حياء، ومشهديّتُه جذّابة بشيالاته (هل تشبه شيّالات فؤاد المهندس؟)، في شتم شعوبٍ عربية كيفما اتفق، منها الشعب المصري، لأن طوابيرَه لم تتدافع من أجل انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيسا، في يومين خصّصا لهذا الأمر، ما اضطّر الدولة إلى إضافة يومٍ ثالث، ثم جاءت النتائج تعطي الأوراق الباطلة المرتبة الثانية بعد السيسي الفائز وقبل حمدين صبّاحي الخاسر.
أرطال المساخر اليومية ومباذلها في هذه التلفزات المصرية وفيرة، ونجومُها مقدّمو برامجها كثيرون ما شاء الله، تجعل المنازلة مع المسرح التجاري الكوميدي، المسلّي والترفيهي والمسفّ والتهريجي، ومن كل صنف، محسومةُ النتيجة سلفا، لصالح تلك المساخر (ومباذلها). وللحق، لا ينفرد هؤلاء المذيعون وحدهم بإشاعة الفكاهة (أي الضحك منهم وعليهم)، وهم يقولون ما يقولون بجدّيةٍ ظاهرةٍ، بل يُسعفهم بمزيد منها ضيوفٌ يُستقدمون لإفادة النظّارة بفتوحاتهم، واقتراحاتهم من أجل الصالح العام، من قبيل دعوة عضو مجلس الشعب المعيّنة، الدكتورة لميس جابر، إلى إلغاء شهر يناير من شهور السنة، "فندخل على فبراير بعد ديسمبر على طول". وكذا تحضير فلكيٍّ استضافته المذيعة رانيا ياسين روح أنور السادات على الشاشة، فيحذّر عبد الفتاح السيسي من اغتيال.
.. العرضُ متواصلٌ كل مساء.
يتعلق الحديث هنا بالفضائيات المصرية، والمذيعين البارزين فيها، في برامج متنوعة، يثرثرون فيها كما يشاءون، وفي أي شأنٍ يريدون. أروحَ لك الجلوسُ في المنزل، في السهرة، وبيدك "الروموت كونترول"، والتنقل من واحدةٍ إلى أخرى من هذه التلفزات، والإنصات إلى ما يقوله هؤلاء، وضيوفُهم أحيانا، عن الإرهاب وقطر وإيران وسورية ولبنان والإخوان المسلمين وعبد الفتاح السيسي، وفي غير هذه الموضوعات مما يستجدّ ويطرأ من أحداث ووقائع يومية، ساخنةٍ أحيانا، أكثر بهجةً وإمتاعا، وتيسّر مقادير من الضحك والتسرية عن النفس أوفر مما قد يفتعله ممثلون غير موهوبين، في مسرحياتٍ لا مستوى لها، التهريج في الفضائيات، والاستماع له ومشاهدته من المنزل، حيث الدفء الشخصي، أوقع وأعلى منزلةً مما فيها، وليس على الخشبات سمير غانم وشويكار وسيد زيان والمنتصر بالله وسعيد صالح وأمين هنيدي، وغيرهم.
من أين لك أن تسمع على أيّ مسرحٍ، في أي عرضٍ تهريجي، أن الأمراء والوزراء المحتجزين في السعودية (إلا اثنين منهم!) كانوا على علاقةٍ بالإخوان المسلمين؟ وعلى شاشةٍ أخرى، تسمع أنه تم القبض عليهم بسبب صلاتٍ لهم بقطر. مع انحسار مستوى جودة النكتة (بل وعبقريتها أيضا) في مصر الراهنة، ليس متوقعا أن تجود قرائح الباقين على مسرح تجاري بكركترات مثل توفيق عكاشة وعمرو أديب، وقد تفوّقا، في أداءٍ على كثيرٍ من السماجة غالبا، في مقاطع لهما غير قليلة في برامجهما، على نفسيْهما، ليس في مقدور المسارح المترنّحة، والمحتضرة، أن "تبدع" بمثل ما "يُبدع" المذكوران وأقرانهما (وزوجات بعضهم)، ومنهم مثلا إبراهيم عيسى الذي يستطرد، من دون حياء، ومشهديّتُه جذّابة بشيالاته (هل تشبه شيّالات فؤاد المهندس؟)، في شتم شعوبٍ عربية كيفما اتفق، منها الشعب المصري، لأن طوابيرَه لم تتدافع من أجل انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيسا، في يومين خصّصا لهذا الأمر، ما اضطّر الدولة إلى إضافة يومٍ ثالث، ثم جاءت النتائج تعطي الأوراق الباطلة المرتبة الثانية بعد السيسي الفائز وقبل حمدين صبّاحي الخاسر.
أرطال المساخر اليومية ومباذلها في هذه التلفزات المصرية وفيرة، ونجومُها مقدّمو برامجها كثيرون ما شاء الله، تجعل المنازلة مع المسرح التجاري الكوميدي، المسلّي والترفيهي والمسفّ والتهريجي، ومن كل صنف، محسومةُ النتيجة سلفا، لصالح تلك المساخر (ومباذلها). وللحق، لا ينفرد هؤلاء المذيعون وحدهم بإشاعة الفكاهة (أي الضحك منهم وعليهم)، وهم يقولون ما يقولون بجدّيةٍ ظاهرةٍ، بل يُسعفهم بمزيد منها ضيوفٌ يُستقدمون لإفادة النظّارة بفتوحاتهم، واقتراحاتهم من أجل الصالح العام، من قبيل دعوة عضو مجلس الشعب المعيّنة، الدكتورة لميس جابر، إلى إلغاء شهر يناير من شهور السنة، "فندخل على فبراير بعد ديسمبر على طول". وكذا تحضير فلكيٍّ استضافته المذيعة رانيا ياسين روح أنور السادات على الشاشة، فيحذّر عبد الفتاح السيسي من اغتيال.
.. العرضُ متواصلٌ كل مساء.