عنصرية من المستنقع
يتبارى بعض اللبنانيين في إبراز عنصريّتهم تجاه اللاجئين السوريين، أو السوريين في العموم، بأشكال متعدّدة، كان جديدها أخيرا ما أفصحت عنه من كان من المفترض أنها "صحافية"، نضال الأحمدية. هذه المرّة لم تشكُ هذه الصحافية من منافسة اللاجئين السوريين العمّال اللبنانيين في سوق العمل، بل من جهل السوريين "الشوكولامو" وتعلمهم الآن قول كلمة "بونجور". ورغم الجهل الكلي الذي تعبّر عنه هذه المقولة، إلا أن المدهش في ما قالته الأحمدية وغيرها أن بعض اللبنانيين الغارقين في مستنقع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا يزالون مصرّين على التعالي على غيرهم، متجاهلين ما يدور حولهم من تحوّلات معيشية يشهدها البلد.
مؤكّد أن الأحمدية لا تمثل كل اللبنانيين، فكثيرون منهم انتفضوا ضد ما قالته في الصحف وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وكثيرون أيضاً نظّموا وقفات احتجاج ضد محاولات الحكومة في الفترة الأخيرة ترحيل اللاجئين السوريين إلى بلادهم قسْراً، لكن ربما من الواجب دائماً تذكير الأحمدية وغيرها أن المستنقع الذي يعيش فيه لبنان ليس للاجئين السوريين أو غيرهم يد فيه، بل هو نتاج أيادٍ لبنانية خالصة مسؤولة عن سنوات طوال من السياسات الاقتصادية الخاطئة التي أوصلت لبنان ليكون "دولة فاشلة" بامتياز. ومن الواجب أيضاً التذكير بأن وجود اللاجئين السوريين في لبنان كان واحداً من مسبّبات تباطؤ الانهيار الاقتصادي الكلي، أو على الأقل مساعدة هذا الاقتصاد على الاستمرار، وذلك بفعل المساعدات الدولارية التي كان يستلمها لبنان من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي مقابل استضافة اللاجئين، من دون أن ننسى أن المصرف المركزي اللبناني في أحيانٍ كثيرة كان يحتفظ بالعملة الصعبة ويحوّل الأموال للاجئين أو من يفترض أن يسلمها لهم بالعملة اللبنانية وفق سعر صرفٍ يحدّده هو.
وبسبب هذه المساعدات، فإن ورقة اللاجئين رابحة بيد المسؤولين والمؤسّسات اللبنانية الذين يدأبون على تضخيم أعداد اللاجئين الموجودين في البلاد، رغم عدم وجود إحصاء رسمي للأعداد، وهو أمر تتجاهل الحكومة اللبنانية القيام به عن قصد، لأن لاجئين كثيرين ممن وصلوا إلى لبنان بعد اندلاع الثورة السورية في 2011، غادروا إلى أوروبا أو أستراليا أو كندا، ومنهم من انتقل للاستقرار في تركيا. وأعداد هؤلاء ليست قليلة، خصوصاً مع موجة قبول طلبات لجوء العائلات الذي تكفلت به الأمم المتحدة، ولا تزال تنفذه. غير أن هذا لم يمنع لبنان الرسمي، وبعض الشعبي، من الإبقاء على نغمة "شيطنة اللاجئين" و"خطرهم الديمغرافي".
وبالعودة إلى الأحمدية، والتي تعبّر عن شريحة غير قليلة من "المثقفين" وغير المثقفين اللبنانيين، من الضروري التشديد على أن هناك فئة واسعة من اللبنانيين أنفسهم لا يعرفون "الشوكولامو"، أو غير قادرين على الحصول عليه لو كانوا يعرفونه، وهؤلاء موزّعون على مساحة لبنان في بؤر الفقر الكثيرة المنتشرة في الشمال والجنوب والبقاع. هؤلاء تطاولهم أيضاً عنصرية الأحمدية التي تتعامى عن حال اللبناني داخل بلاده وخارجها، ولا تزال تعيش في وهم "التفوّق اللبناني". وهو وهم تبدّده حالات الهجرة الكبيرة للكفاءات اللبنانية بمقابل مادي زهيد، وأقلّ بكثير مما كان يعرض على اللبنانيين قبيل الانهيار الاقتصادي الكبير، فكل همّ اللبنانيين الآن هو الخروج من البلد إلى أي وجهة وبأي ثمن.
هذا واقع جديد لا يزال لبنانيون كثيرون غير قادرين على تصديقه، أو يهربون منه بالفوقية والتعالي وإلقاء تبعات هذا الحال على الآخرين، بينما مياه المستنقع ترتفع وتهدّد بإغراق الجميع.