عن توتر بين حزب الله ويونيفيل في لبنان
تسود أجواء التوتر الشديدة بين حزب الله وقوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل)، على أثر قرار مجلس الأمن أخيراً بتجديد التمديد لها سنة إضافية تنتهي في أغسطس/ آب 2023، على أنّ مجلس الأمن يكرر ("أن يونيفيل لا تحتاج إلى إذن مسبق أو إذن من أيّ شخص للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، وأنه يُسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقلّ. ويدعو الأطراف إلى ضمان حرية حركتها، بما في ذلك السماح بتسيير الدوريات المعلنة وغير المعلن عنها. ويدين المجلس مضايقة وترهيب أفراد "يونيفيل"، وكذلك استخدام حملات التضليل الإعلامي ضدّ حفظة السلام"). وفي هذا النص، الذي أدخل لأول مرة منذ 44 عاماً في قرار يتصل بانتداب "يونيفيل"، عملاً بنصي القرارين 425/ 1987 المنشئ، و1701/ 2006، حين بات لـ "يونيفيل" الحق بأن تقوم بأيّ عمل ميداني، تراه هي مناسباً لمهمتها من دون الحاجة إلى موافقة الجيش اللبناني أو مشاركته أو التنسيق معه، وأن تقوم بأيّ دور عملانيّ، ويطلب القرار إنشاء فوج لبناني نموذجي ونشره في الجنوب.
اعتبر حزب الله تعديلات القرار استفزازاً، واستراتيجية خطيرة تضيّق على سلطته على الأرض، وهو أمر "فيه تدخل غير مبرّر بعمل الجيش اللبناني وتنظيمه، إضافة الى إهمال القرار الحديث عن الحدود الدولية والنص على أن الخط الأزرق لا يشكل في أيّ حال بديلاً لهذه الحدود الثابتة، بينما هو خطّ مؤقت غير متفق عليه، بل متحفظ عليه لبنانياً"، مطالباً الجهات الرسمية بالتحرّك لمعالجة هذه الثغرات، في قرار "يفرض أمراً واقعاً يحقق أهداف إسرائيل". ليس هذا التوتر الأول بين الجانبين، إذ حصلت خروقات وحوادث كثيرة على الخط الأزرق، تقاطعت مع رغبة الحزب في فرض سيطرته الكاملة على المنطقة الحدودية. ولم تتوقف محاولات الحزب لتحييد عمل القوة الأممية، فيما يسود القلق على الحدود، وتقاس الأمور بمؤشّر ارتباك الحزب وتصويته البوليفوني، وبمقدار أسباب اشتعال الأحداث، أي حرب، لها مخاطرها المحدقة، ما يرسم مشهداً جديداً في سياق تاريخي من التحدّيات التي واجهت عمل القوة القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان، والتي تأسست بواسطة مجلس الأمن في مارس/ آذار 1978 للتأكيد على انسحاب إسرائيل من لبنان، واستعادة الأمن والسلام الدوليين ومساعدة الحكومة اللبنانية على استعادة سلطتها الفعالة في المنطقة. وتم تعديل المهمة مرتين نتيجة التطورات في عامي 1982 و2000.
المجتمع الدولي ضاق ذرعاً من مهمة كلفت نحو عشرة مليارات دولار، ولم تحقق أهدافها الرئيسية
وبعد العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006، قام مجلس الأمن بتعزيز القوة، وقرّر أن البعثة، إلى جانب مهامها الأخرى، سوف تراقب وقف الاعتداءات، ومرافقة القوات اللبنانية ودعمها في عملية الانتشار في جنوب لبنان، وتمديد المساعدة لتأكيد وصول المعونات الإنسانية للمواطنين المدنيين، والعودة الطوعية الآمنة للمهجّرين. وقد أثار القرار الأممي الأخير انفعالاً شديداً، عبّرت عنه تصريحات الوكيل الشرعي لخامنئي في لبنان، محمد يزبك، لجهة ما اعتبره "استعداء البيئة الحاضنة"، وأن التعديل المعلن أخيراً "يحول يونيفيل إلى قوة احتلال، وأن دورها حماية العدو الإسرائيلي لتعقب المقاومة". وأعقبت تصريحات يزبك تصريحات أخرى لقيادات في الحزب، تجاهلت أنّ الحكومة اللبنانية هي من طلبت تجديد عمل القوات الدولية، جرياً على عادتها منذ 1978.
يتهم حزب الله الحكومة بالتخاذل، وينكر على القوات الأممية أيّ دور مستقل لها، ويعتبر قرار مجلس الأمن توريطاً لها. ولكن ما يقلق الحزب أكثر ما جاء في القرار 2650: "يطلب مجلس الأمن من القوات المسلحة اللبنانية والأمين العام للأمم المتحدة تحديد معايير محدّدة، وجداول زمنية للنشر الفعّال والدائم للقوات المسلحة اللبنانية في جنوب لبنان وفي المياه الإقليمية للبلاد". وهذا يدعم هدفاً طويل الأمد للبعثة، يتمثل في تسليم جميع مهامها ومسؤولياتها إلى السلطات اللبنانية. ويحثّ مجلس الأمن في القرار الأطراف على تسريع الجهود لتحديد الخط الأزرق بشكل واضح، والمضي في حلّ النقاط الخلافية. ويستند القرار إلى الأسس القانونية، فيما يستند حزب الله إلى تاريخ طويل من سياسة الاحتواء، عبر احتجاجات أهالي "عفوية" حشدها مراراً بوجه "يونيفيل" في منطقة تعيش سلاماً هشّاً، منذ اتفاقية الهدنة عام 1948.
يعكس القرار تحوّلاً، يتمتع بنظرة أممية جديدة شاملة لمهمة سلام تشكل اليوم موقع اختبار ورصد، فالتعديلات تسمح للقوة الأممية باستقلالية عمل في حال نشوب نزاع أمرٌ يخشاه حزب الله. وهي، بهذا المعنى، قد تفسر منه، خنجراً موجهاً إلى خاصرته، أو إشارة سلبية إلى بيئته الحاضنة للتمرّد، على وقع أوضاع لبنانية داخلية تعيسة، وتصريحات ناريّة متبادلة بينه وبين إسرائيل، وعلى خلفية النزاع المشتعل على ترسيم الحدود البحرية. ويدرك الحزب أن قرار مجلس الأمن يستند إلى قوة الدول المساهمة بالقوات وأفراد الشرطة والمدنيين في المهمة 48 دولة (13 ألفاً).
تعديلات في قرار لمجلس الأمن تسمح للقوة الأممية باستقلالية عمل في حال نشوب نزاع أمرٌ يخشاه حزب الله
تموَّل البعثة عن طريق حساب مستقل يُعتمد سنوياً بواسطة الجمعية العامة نحو نصف مليار دولار سنوياً كميزانية معتمدة، تضطلع الولايات المتحدة بحصّة كبرى منها. ما يعني أنّ المجتمع الدولي ضاق ذرعاً من مهمة كلفت نحو عشرة مليارات دولار، ولم تحقق أهدافها الرئيسية. أكثر من ذلك، يشير مجلس الأمن إلى التركيب الأخير للحاويات التي تقيّد وصول حفظة السلام إلى أجزاء من الخط أو قدرتهم على رؤيته. كما يدين وجود أسلحةٍ غير مصرّح بها تسيطر عليها جماعات مسلحة في منطقة عمليات "يونيفيل". لكنّ الحزب حوّل موضوع قوات السلام إلى قضية أخرى، من نوع الخيانة والجريمة، من نوع تحوّل دور القوة من "دائرة الجنود الأخيار" إلى دائرة "الجنود الأشرار" الذين يهدّدون سكان منطقة عملوا فيها سنوات، وساهموا في رفع الحرمان الذي عانوه، والمحافظة على أمن المنطقة. عالم من الأعمال الإنسانية في تنظيف عشرات حقول الألغام، المساعدات الدولية، تمويل مشاريع إنمائية، صحية، بيئية، رياضية، اجتماعية، تربوية، شكّلت لهم مورداً ثميناً، وتطوّرت مع الأهالي نسيجاً اجتماعياً تعدّدياً، مع مجتمعٍ كامل ينهض مدنياً، متعدّد الجنسيات عبر الزيجات المختلطة مع شاباتٍ لبنانيات قد يواجَهْن بتهمة الخيانة والخروج عن القواعد. وهذه نبرة جديدة على الضفتين تعدّ من أشكال الاعتراض الوقائي، لا سيما أن قوات السلام تتحرّك على صفيح لبناني ساخن، وقد تولت مسؤولية إمداد القوى النظامية والشرعية في المنطقة بكل المساعدات من مؤن وغذاء وأدوية وطاقة، لتعزيز قدراتها بوصفها رهاناً دولياً حقيقياً، يخشى حزب الله من أن يستفيق منه على نزع دوره حرس حدود مع إسرائيل.
تقاذفت الجهات الرسمية المسؤولة المسؤولية عن الأمر، ففيما نفى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي علمه بما حصل، أعلنت وزارة الخارجية الرفض التلقائي للتعديلات، و"أنّ جهداً لم يكتمل من قبل بعثة لبنان في نيويورك ما أدّى إلى هذا الخطأ، وأن التجديد لليونيفيل يتضمّن لغةً لا تتوافق مع ما وردَ في اتفاق الإطار الذي وقعه لبنان مع الأمم المتحدة". لكنّ حزب الله لم يكتفِ بذلك، وله لغته الأخرى، فقد وجّه رسالة الى قوات يونيفيل "بضرورة الالتزام بالقواعد المعمول بها، لأنّ أيّ تجاوز ستكون له مفاعيل خطيرة".