عن عضوية الصومال في مجلس الأمن
احتفى الصومال، أخيراً، بإعلان انضمامه رسميّاً، عضواً غير دائم إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بعد 54 عاماً من الغياب، بعد أن نال إلى جانب أربع دول عضوية مجلس الأمن غير الدائمة في يونيو/ حزيران 2024، التي تنتهي في ديسمبر/ كانون الأول 2026. إعلان رافقته جملة من التساؤلات بشأن أهمية هذه العضوية بالنسبة لدولة لا تزال تكافح من أجل أن تستعيد عافيتها، وتواجه ملفّات أمنية واقتصادية كثيرة تعطّلها وتكبّلها. وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي رأى أن الدبلوماسية الصومالية حقّقت نجاحاً كبيراً في إقناع المجتمع الدولي بأن الصومال دولة يمكن الوثوق بها، ويصف هذه الخطوة بأنها عودة تاريخية لمكانة الصومال الدبلوماسية في المحافل الدولية، وتبدّد عقوداً من الظنون والشكوك بشأن عدم جدوى فاعلية السياسة الصومالية في المحافل الدولية، لكن مع بداية عهد جديد منذ عام 2012، أثبتت الخارجية الصومالية فاعليتها في مواجهة المهدّدات الإقليمية، بدءاً بالأزمة البحرية مع كينيا، مروراً بالأزمة الخليجية عام 2018، وانتهاءً بالأزمة الإثيوبية بشّأن الوصول إلى منفذ بحري من دون التنسيق مع الحكومة المركزية في مقديشو.
تمثّل عضوية الصومال في مجلس الأمن نجاحاً دبلوماسياً، وخطوةً تعزّز مكانة الصومال في المحافل الدولية والإقليمية
تبرهن عضوية الصومال في مجلس الأمن، وفق المنظور السياسي في الصومال، نجاح مساعي مقديشو في إقناع حلفاء دوليين بالتصويت لضمان مقعدها في هذا المجلس، وهو حراك قاده المندوب الصومالي لدى الأمم المتحدة أبوبكر طاهر عثمان (بالي)، إلى جانب الجهود الدبلوماسية التي بذلتها الحكومة الفيدرالية، التي كُلِّلت أيضاً بالنجاح في الانضمام إلى مجموعة دول شرق أفريقيا الاقتصادية عام 2023، أضف إلى ذلك ملفّ الإعفاء من الديون، الذي أنجزته الحكومات الصومالية منذ عام 2020، ما يجعل مستقبل الصومال موعوداً بمزيد من النجاحات الدبلوماسية والإصلاحات الاقتصادية إذا تغلّب على ملفّ الأمن، وفرض مواءمةً في التوفيق بين المصالح الإقليمية والدولية، خاصّة في أزمته أخيراً مع إثيوبيا والنفوذ المصري المتصاعد في الإقليم منذ عام 2020.
عقوداً، غابت الدبلوماسية الصومالية في المحافل الإقليمية والدولية بفعل الفوضى السياسية وعدم الاستقرار الأمني، لكن مع تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية على نحو متتالٍ في العقد الماضي في العاصمة مقديشو، وإن كانت انتخابات غير مباشرة، إلا أن التداول السلمي للسلطة السلس عكس مدى نضج الساسة في الصومال في ممارسة نوع من التداول على الحكم من دون إثارة قلاقل أمنية وسياسية، أو وجود حالة من الدكتاتورية في التشبّث بالحكم، ما أكسب دولاً عديدة الثقة بأن منطق الاستبدادية التي حكمت الصومال عقدين لم تترك إرثها وأغلالها في الذهنية الصومالية. وفي مقابل ذلك، يحظى الصومال بسجلّ حافل بالديمقراطية كأوّل دولة ديمقراطية في أفريقيا، نظّمت انتخابات رئاسية وبرلمانية في الستينيّات من القرن الماضي، والتداول السلمي للحكم كان العنوان العريض في المشهد آنذاك، هذه التجربة ربّما كانت أقوى من رصاص دكتاتورية سياد بري (1969-1991)، التي خلّفت إرثاً من تراكمات الفوضى والدمار والإرهاب.
لا تقتصر المعارك الدبلوماسية التي يخوضها الصومال أخيراً على مواجهة الأطماع الإثيوبية أو الكينية تجاه المياه الإقليمية للصومال، بل انخرط في ملفّات دبلوماسية معقدة مع بعثة الأمم المتحدة في مقديشو، لاستعادة استقلاليته في الأمم المتحدة، وأن يكون مندوبه هو المخوّل فقط للحديث عن المُستجدَّات السياسية والأمنية المتعلّقة بشأن بلاده، ولهذا فإن مساعي الصومال أتت أُكلها أخيراً للحدّ من دور مبعوث الأمم المتحدة وتأثيره في الشأن الصومالي الداخلي، على عكس ما كانت عليه الأمور قبل نحو عقد، حين كان مسؤولو بعثة الأمم المتحدة يفرضون أجنداتهم على الحكومة الفيدرالية تحت ذريعة أن الصومال ما زال في فترة انتقالية أو ضعيفة وغير قادر على الاستجابة للمطالب الأممية لإرساء نظام ديمقراطي يصون الحرّيات العامة، ولا ينتهك المبادئ والمواثيق الدولية. ووافق مجلس الأمن على تحويل مكتب مهمّة المفوضية الأممية بعثةَ مساعدة انتقالية في الصومال لغاية عام 2026، وذلك بعدما أعلنت الخارجية الصومالية في مايو/ أيار الماضي قرار وقف عمل بعثة الأمم المتحدة في الصومال، وطلبت من الأمين العام عدم تجديد تفويضها الذي انتهى في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي (2024)، وذلك بعد نحو 13 عاماً كانت البعثة الأممية نشطة خلالها في الصومال.
انضمام الصومال عضواً في مجلس الأمن يعني تحمّل مقديشو مسؤولية التصويت على قرارات حاسمة
كما أن التدخّلات التي يمارسها سفراء البعثات الأوروبية خفّت وتيرتها، ولا سيّما في ما يتعلّق بالوحدة واستقلال البلاد، ما يشي بأن النهج الدبلوماسي في التعامل مع هذه القضايا بات صارماً، ولا يجد القيّمون على الخارجية الصومالية غضاضةً أو حرجاً في استجواب واستدعاء أيّ سفير ينتهك السيادة ووحدة الصومال، وهو ما يعني نفاد صبر القيادات الصومالية تجاه أيّ تجاوزات وانتهاكات تمسّ سيادة ووحدة أراضي الصومال، فما كان لا يثير جلبة أصبح الآن بمنزلة عرف غير دبلوماسي لا يُغتفَر ويستوجب المساءلة، ولا يمرّ مرور الكرام. وفق دبلوماسيين صوماليين، فإن انضمام الصومال عضواً في مجلس الأمن يعني تحمّل مقديشو مسؤولية التصويت على قرارات حاسمة، وهو ما يفرض على الحكومة الفيدرالية اتخاذ خطوات دبلوماسية مدروسة، لتوظيف عضويتها وفق ما تقتضيه مصالحها، وتسخيرها للدفاع عن الكيانات الضعيفة والمهمّشة والشعوب المقهورة، ودعم القضية الفلسطينية، التي كان الصومال مدافعاً عنها منذ الاستقلال، ولا يزال يدين الانتهاكات والعدوان الإسرائيلي في غزّة منذ السابع من أكتوبر (2023).
أخيراً، تمثّل عضوية الصومال في مجلس الأمن نجاحاً دبلوماسياً وخطوة تعزّز مكانة الصومال في المحافل الدولية والإقليمية، وبعثاً جديداً للصومال الذي كان نشطاً أفريقياً ودولياً، إذ تبنّى قرارات حاسمة في أزمات دولية مختلفة إبّان الحرب الأهلية منذ السبعينيّات من القرن الماضي، سواء في الأمم المتحدة أو في جامعة الدول العربية، وكان مشاركاً وسيطاً في حلّ نزاعات دول أفريقية كثيرة، ودولةً تستضيف وتدرّب الجنود الأفارقة، ولعبت في إرساء السلام والاستقرار في شرق أفريقيا، وتتطلّع الآن للعب دور دبلوماسي ريادي أفضل واستعادة هذا المجد مستقبلاً، وذلك برغم التحدّيات الداخلية التي لا تزال تعرقل مسيرة الصومال نحو الاستقرار أمنياً وسياسياً.