عن معركة الصومال ضد حركة الشباب
مرّت ثمانية شهور على إعلان إدارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود الحرب على حركة الشباب. وقد أسفرت العملية عن أكبر خسائر الحركة للأراضي منذ طردها من العاصمة مقديشو في عام 2010. وقد تحصّنت القوات الصومالية والقوات المساندة لها في المناطق الحضرية منذ ذلك الحين، بينما استقرّت الحركة في المناطق الريفية. ويتزّعم الجيش الصومالي الهجوم الجديد بالاشتراك مع العشائر المحلية المسمّاة "معاويسلي".
في أول الأمر؛ يبدو إعلان الحرب المستمرّة رحاها بين الحكومات الصومالية المتعاقبة والحركة الجهادية منذ أكثر من 15 عاما، وكأنه شيء جديد، ساخرًا، أو مما عهدناه من الحكومات الصومالية المتعاقبة، إلا أن جملة من الظروف يبدو أنها تجعل الإدارة الجديدة مؤهّلة أكثر من غيرها للانتصار في هذه الحرب، فالحركة بالغت في استعداء العشائر في وسط الصومال، حيث دفع التجنيد القسري وفرض إتاوات على المجتمعات الخاضعة لسيطرتهم إلى تصاعد السخط العشائري ضد الحركة. وأحرزت هجمات الحكومة نتائج إيجابية في مناطق الوسط. وقد جرى تقريبا تطهير الحركة من ولاية غالمودج وأجزاء من ولاية هريشبيلي، إلا أن التحدّي الأكبر يبقى في مناطق الجنوب، لسبب رئيسي؛ أن العشائر في تلك المناطق لم تُظهر الاستياء نفسه من الحركة مقارنة بعشائر الوسط.
وتخطّط الحكومة الصومالية للدخول في شراكة مع الدول الإقليمية لزيادة الضغط العسكري على معاقل حركة الشباب. ففي أوائل فبراير/ شباط الماضي، اجتمع رؤساء الدول المجاورة للصومال، إثيوبيا وكينيا وجيبوتي، في مقديشو. وأعلن مستشار الأمن القومي الصومالي، حسين معلم، في الشهر التالي أنه سيتم نشر جنود إضافيين من هذه البلدان في الصومال في غضون ثمانية أسابيع، وبتنسيق أميركي. وستعزّز هذه الخطوة نيران قوات الحكومة، لكنها تنطوي أيضًا على مخاطر جسيمة: ففي الماضي، اعتبرت حركة الشباب وجود قواتٍ أجنبيةٍ على الأراضي الصومالية مبرّرًا لوجودها، وسببًا كافيا لإعلان الحرب عليها. وفي حال بقيت هذه القوات المزمع نشرها فترة طويلة أو في حال ارتكبوا انتهاكاتٍ ضد المدنيين، فمن المؤكّد أن يعزّز ذلك سردية الحركة بكفاحها الديني ضد قوات غازية للأراضي الصومالية.
على الحكومة الصومالية أن تضع في الاعتبار الحاجة إلى تعزيز قبضتها على الأماكن التي استعادتها من حركة الشباب
في المقابل، تسعى الحركة إلى زيادة الضغط على الحكومة بهجماتٍ واسعة النطاق في مقديشو ومدن أخرى، بالإضافة إلى القيام بعمليات توغّل منتظمة في المناطق التي استولت عليها الحكومة. وقد دفع تعاون الحكومة الفيدرالية مع المجموعات العشائرية (معاويسلي) حركة الشباب إلى تغيير في لهجتها. وكانت الحركة دومًا أكثر استعدادًا لتقديم تنازلات للعشائر عندما تشعر بالضعف، فقط للتراجع عنها لاحقًا عندما تكون في وضع أقوى.
وتوحي مرونة حركة الشباب بأنها تتكيّف مع الحملة الحكومية في أكثر من سياق. فعلى سبيل المثال، أدركت الحركة ضرورة تغيير نهجها تجاه السكان في وسط الصومال، مدركةً أن نموذجها القسري لتأمين الطاعة جاء بنتائج عكسية. وبدأت في تقديم مزيد من الجَزَر بدلاً من عصا الطاعة، مؤكّدة على الحاجة إلى نشر المصلحة العامة في خطابها. وقد أتى هذا النهج بثماره: ففي أواخر ديسمبر/ كانون الأول، في انتكاسة لمقديشو، توصلت مجموعة من شيوخ عشيرة سليبان في غلمودوغ إلى اتفاقٍ مع الحركة لتجنّب المواجهة، وسحب الدعم للحكومة مقابل إطلاق سراح رهائن وممتلكات صادرتها الحركة.
يعني هذا أن الحركة تتكيّف مع الحملة الحكومية، وأنه حتى في حال تحقيق مزيدٍ من التقدّم العسكري ضدها، فمن غير المرجح أن تُنهي العمليات العسكرية الحرب مع حركة الشباب بشكل نهائي. وستظلّ هناك حاجة إلى تسوية سياسية لإنهاء القتال. لذلك على الحكومة أيضًا إنشاء قنوات اتصال مع الحركة، مع الحفاظ على الضغط العسكري، وقد تتمكّن من ذلك، انتزاع تنازلاتٍ من الحركة، وربما حتى لحثّها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بشروطٍ مقبولةٍ لدى الحكومة الصومالية.
إن نجح الرئيس حسن شيخ محمود في القضاء على حركة الشباب، فسيكون علامةً فارقةً في التاريخ السياسي الصومالي الحديث
بصرف النظر عن نتائج حرب الحكومة ضد الحركة، ثمّة مسائل أخرى يوجّهها الرئيس الحالي في المشهد الصومالي الأمني المعقّد؛ منها إجراء عمليات إصلاح شامل للأجهزة الأمنية، التي تعاني من الاختراقات والتضخّم والتدخلات الخارجية، فالصومال أصبح سوقا سياسيًا واقتصاديًا للحرب في العقود الثلاثة الأخيرة، وأصبحت مقديشو مدينة خصبة للاستثمار الأمني ووجهة مفضّلة للشركات الأمنية الدولية والإقليمية. علاوة على إيجاد حلول لتجاوز مظاهر الحرب. في السلم الذي باتَ يرى النور، أشياء قليلة تغيّرت، بقي سكان المدينة معزولين عن بعضهم بعضا. التجوال في غاية الصعوبة، كما في الحرب، "عفاريت الإسفلت"، وفوضاهم الجهنمية تعرقل حركة الناس. وهو ما عاينته من زيارة أخيرة للمدينة.
في الخلاصة، تبدو إدارة الرئيس حسن شيخ محمود جادّة بشأن محاربة حركة الشباب، والقضاء عليها، وإن نجح الرئيس محمود في ذلك، فسيكون هذا علامةً فارقةً في التاريخ السياسي الصومالي الحديث. وتتبع ذلك، إلى جانب الحملات العسكرية، حملات دينية لتصويرهم بالخوارج (لتأليب رأي السكان المحليين الذين ينخدعون بوعود الحركة الثيوقراطية)، وكذا تعيينه أحد مؤسّسيها المنشقّين، وزيرا للأوقاف، في خطوةٍ ربما لمدّ اليد لمن يودّ أن ينشق، فالصراع، في النهاية، على السلطة، وثمة قادة كثيرون يشغلون مناصب سياسية، إما على مستوى الفيدرالية أو على المستوى الحكومة المركزية، كحاكم ولاية جوبلاند الحالي، أحمد مدوبي، الذي كان يوما ما نائبًا لزعيم الحركة.
على الحكومة الصومالية أن تضع في الاعتبار الحاجة إلى تعزيز قبضتها على الأماكن التي استعادتها من حركة الشباب، وتخصيص قوات خاصة لحفظ الأمن في المناطق المستعادة، ودعم جهود المصالحة المحلية وتقديم الخدمات الأساسية، كالقضاء والتعليم والخدمات الأخرى. وهي إجراءاتٌ إذا لم تحسب لها الحكومة حسابها، فقد تمنح حركة الشباب التي أثبتت قدرتها على الصمود قرابة عقدين فرصة للتعافي، والانطلاقة من جديد.