في أدبيات الربيع العربي ودور الشباب
تتداعى مؤسساتٌ بحثيةٌ وإعلاميةٌ عالميةٌ وعربية اليوم إلى تقديم تقارير وندوات بمناسبة مرور عقد على بدايات الربيع العربي، منذ أحرق محمد البوعزيزي نفسه نهاية 2010، ثم الثورة التونسية فالمصرية وانتشارها إلى مناطق مختلفة من العالم العربي. هذه التقارير مهمة، لكن الأكثر أهميةً أن تكون هنالك دراساتٌ معمّقةٌ وأبحاثٌ لفهم الربيع العربي، سواء على صعيد الشروط والعوامل التي أدت إليه، أو حتى الظواهر التي تخللته، ولاحقاً ما الذي حدث بعد ثورات الربيع من تغيّراتٍ وتحولاتٍ مهمة، على أكثر من صعيد؛ عالمي، بخاصة موقف الإدارة الأميركية، وإقليمي بخاصة موقف الدول العربية، وتدشين الثورة المضادة في العام 2013، ومحلي على صعيد كل دولة ومجتمع عربي بصورة خاصة.
من الصعوبة بمكان أن نلتقط الدراسات والأبحاث الجادة كافّة التي تناولت الربيع العربي في هذا المقال القصير. ولكن من الضروري الإشارة إلى أن الدراسات الغربية عموماً تميّزت بتحليل معمّق بعيداً عن الانحيازات الأيديولوجية والذاتية التي تصيب أغلب الدراسات العربية، ومن بين الدراسات المهمة جداً التي اعتبرت الربيع العربي نقطة تحوّل في مسار الحركات الاجتماعية التي تغير مسار التاريخ، كتاب "شبكات الغضب والأمل.. الحركات الاجتماعية في عصر الإنترنت"، لعالم الاجتماع مانويل كاستلر (ترجمة هايدي عبد اللطيف، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017)، وكتاب "الموجة الديمقراطية الرابعة: الإعلام الرقمي والربيع العربي" لفيلب هوارد ومزاميل حسين، وكتاب "شرح أسباب الانتفاضات العربية: منحى خلافي سياسي جديد في الشرق الأوسط" لباحثين وخبراء غربيين (تحرير مارك لينش، شركة المطبوعات والنشر، بيروت، 2016)، ودراسة "سياسات الشباب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" (ضمن أعمال مشروع الشرق الأوسط التابع لمعهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن، ويشرف عليه مارك لينش).
على الصعيد العربي، تميزت إصدارات المركز العربي عموماً باهتمام ملحوظ في ثورات الربيع العربي، من خلال مؤلفات عزمي بشارة ودراساته والكتب التي صدرت لباحثين شاركوا في مؤتمرات وندوات عقدها المركز، تتناول الثورات بصورة مفصلة. وهنالك أدبيات وكتب على درجة من الأهمية، تناولت أسباب ثورات الربيع العربي وديناميكياتها، منها كتاب جوهر الجموسي "الافتراضي والثورة .. مكانة الإنترنت في مجتمع مدني عربي" (المركز العربي للأبحاث والدراسات، 2016). ومن هذه الكتب "الشباب والانتقال الديمقراطي في البلدان العربية" (تحرير عبد الفتاح ماضي وعبده موسى، المركز العربي ..، 2019)، وهو أبحاث ودراسات لمؤتمر عقده المركز. ويمكن الإشارة هنا إلى أنّه تميز في تغطية جيدة وعميقة للمدخل الجيلي، المرتبط بالشباب، في دراسة ثورات الربيع العربي، خصوصا دراسة أحمد تهامي عبد الحيّ، وهو متخصص في مجال الدراسات الشبابية، وله مؤلفات عديدة، وفوجئت قبل أشهر باعتقاله. ويركز الكتاب على دور الشباب في عدة ثورات عربية، خصوصا في المغرب ومصر وتونس والسودان.
من الضروري الإشارة هنا إلى أنّ أكثر من مدخل ضروري برز في هذه الأدبيات في فهم الربيع العربي، منها ما يرتبط بالدور المهم والرئيس الذي قامت بها وسائل التواصل الاجتماعي، ليس فقط في مساعدة الشباب على نقل أحداث الثورات العربية، بل أيضا على إعادة تشكيل المجال العام وتعريفه وتطويره في العالم العربي بصورة جذرية، وكسر احتكار السلطات والقوى التقليدية له. ومن المداخل ما يرتبط بموضوع الشباب، الذي شهد قفزةً نوعيةً مع أحداث الربيع العربي على صعيد الحركات الشبابية الجديدة، التي أعادت صياغة شكل الحركات الاجتماعية نفسها، ومنها ما يتعلق بسياسات النظم العربية تجاه الشباب العربي. وفي هذا المجال، من المهم الالتفات إلى تقرير التنمية الإنسانية العربي في 2016، والذي تم تخصيصه لموضوع الشباب، وتناول بصورة تحليلية ومفصلة أوضاع الشباب العربي على المستويات، السياسية والاقتصادية والمجتمعية والديمغرافية وغيرها. قد ينظر بعضهم إلى أنّ الربيع العربي كان مرحلة مؤقتة، وأنّ ما حدث بعد ذلك أنهى لحظته. ولكن تحليلا أكبر للعوامل والشروط والديناميكيات التي أدّت إليه وأنتجته (كما تظهر في الدراسات السابقة) توضح أنّه كان مرحلة انتقالية، وأن البنى الرئيسية التي صنعته أقوى بكثير من السياسات التي تسعى إلى ردمه والتخلص منه.