في "إغراءات" الاستيطان الإسرائيلي
يجب القول إن السياسة التي تطبّقها الحكومة الإسرائيلية الحالية في ما يتعلّق بالاستيطان في أراضي 1967 تهدف إلى تحقيق ثلاثة أغراض: تعميق الاستيطان وتوسعته من خلال فرض وقائع على الأرض، وزيادة نهب الأراضي الفلسطينية، وتوسيع دائرة الإرهاب اليهودي في تلك الأراضي، والذي تؤكد تقارير متطابقة أنه ذراع موازية للجيش الإسرائيلي والمؤسّسة الأمنيّة. ومن جديد مظاهر هذه السياسة مصادقة الكنيست الإسرائيلي، في مارس/ آذار الماضي، على إلغاء بنود مُتضمّنة في ما يعرف باسم "قانون فك الارتباط الأحادي الجانب عن قطاع غزة وأربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية"، وذلك بعد 18 عامًا على إقراره في 2005. وينصّ القانون على إلغاء بنود في القانون السابق، كانت تحظر على المستوطنين دخول نطاق أربع مستوطنات أخليت في الضفة المحتلة، جانيم وكديم وحومش وسانور، على نحوٍ يفتح المجال أمام إعادة توطينها، وهو ما حدث في الأيام الأخيرة وأثار انتقاداتٍ واسعةً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبيّ. وكان إلغاء هذه البنود جزءًا من شروط أحزاب اليمين الدينيّ المتطرّف لقاء الانضمام إلى ائتلاف حكومة نتنياهو الحالية، بدون التغاضي عن أن حزب الليكود نفسه يبدو جاهزًا تمامًا، ومنذ فترة طويلة، لاتخاذ مثل هذه الخطوة، حتى من دون اشتراطها من حلفائه. كما يُعدّ القانون الجديد عنصرًا حيويًا في مسعى الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى إضفاء الشرعية على بؤرة حومش الاستيطانية العشوائيّة، والتي حاول المستوطنون مرارًا إعادة بنائها. وقالت جمعيات إسرائيلية متخصّصة في مراقبة الاستيطان في الأراضي المحتلة ومعارضون للقانون إنه سيُستخدم من أجل توسيع النشاط الاستيطاني في المنطقة بشكل عام، وسيؤدّي إلى ضم فعلي لأجزاء كبيرة من أراضي الضفة الغربية.
قبل خطوات الحكومة الحالية، أقرّت حكومة نتنياهو الرابعة في أكتوبر/ تشرين الأول 2016 الاقتراح الذي تقدّم به وزير الزراعة أوري أريئيل (من حزب "البيت اليهودي") بشأن استئناف عمل "شعبة الاستيطان" بأنها أحد الأقسام في وزارة أريئيل هذه (وُضعت تحت مسؤوليته كجزء من الاتفاق الائتلافي لدى تأليف الحكومة)، وذلك بعد تجميد عمل هذه الشعبة نحو عامين على خلفية خلافاتٍ وشبهاتٍ واتهاماتٍ قانونية حالت دون رصد الميزانيات الحكومية لها وتحويلها إليها. وعنى هذا القرار استعادة الحكومة وأذرعها المختلفة الوسيلة المركزية لتعميق الاستيطان في الضفة الغربية أساسًا، وبالإضافة إلى ذلك تواصل الشعبة ما تسمّى "إدارة أراضي المستوطنات الإسرائيلية في القطاع القروي" في الضفة الغربية، أي توزيع الأراضي على المستوطنين اليهود في الضفة الغربية، وهو ما تقوم به منذ 1967.
تنبغي الإشارة أيضًا إلى أن نجاح مشروع الاستيطان الإسرائيلي الكولونيالي في الضفة مشروط، في جانب مهّم منه، بقبول عدد كبير من اليهود وموافقتهم على المشاركة فيه بشكل فاعل. ويعود قبول هؤلاء، في أحد المستويات، إلى الفائدة المادّية التي يجنونها. وعلى مدى تاريخ الاستيطان الصهيوني، حظي المستوطنون بموارد اقتصادية عامة تحوّلت، مع الوقت، إلى ممتلكاتٍ خاصة لهم.
ولئن كان رصد الموارد للمستوطنات والمستوطنين جرى في السابق من خلال اللجوء إلى ألاعيب ومناورات كانت في أغلبها الساحق ضمن "المنطقة الرمادية" بين القانوني وغير القانوني، ففي الأعوام الأخيرة أصبح "جزء لا يتجزأ" من صرف حكومي يحظى بقانونية رسمية خالصة، من خلال قوانين مختلفة جرى سنّها لهذا الغرض، من بينها بالأساس "قانون الميزانية العامة"، إلى جانب قوانين وأوامر قانونية متعدّدة ترمي إلى سلب الأراضي الفلسطينية والاستيلاء عليها. ومن هنا، ما يتضمّنه قانون الميزانية الجديد الذي أقرّه الكنيست الأسبوع الماضي في كل ما يتعلق برصد الميزانيات والموارد المادية المختلفة للمستوطنات والمستوطنين يشكّل تنفيذًا دقيقًا للتوجهات السياسية الرسمية السائدة في إسرائيل، ويأتي لخدمة هذه التوجهات. وحتى بموجب حسابات منظمات إسرائيلية تعادل حصّة المستوطن اليهودي في الضفة الغربية من الميزانية العامة الجديدة للدولة خمسة أضعاف حصّة الإسرائيلي في أيٍّ من المناطق السكنية المختلفة داخل ما يسمّى "الخط الأخضر".