04 نوفمبر 2024
في المستجد الانتخابي المغربي
يلح حزب العدالة والتنمية المغربي على إشهار صفته غير الإخوانية في فضاء الإسلام السياسي. سمع كاتب هذه الكلمات ذلك من زعيم الحزب، عبد الإله بنكيران، لمّا كان "الإخوان" في شهورهم الأولى في السلطة في مصر. ولا يعود هذا الإلحاح إلى تبرؤ من تهمةٍ، وإنما هو التوصيف الذي تسوّغه نشأة هذا الحزب في المغرب، ومساره العام منحازاً إلى الوسطية والاعتدال، يخوض في السياسة بأدواتها ومقتضياتها، في بلاده. يُشار إلى هذا الأمر، هنا، بمناسبة تأهل "العدالة والتنمية" في مراتب أولى في الانتخابات المحلية (البلدية والجهوية) في المغرب، ولا سيما في مدن حيوية وكبرى. والإجماع الماثل في قراءات هذا المستجد الذي شهده المغرب، الأسبوع الماضي، أنه تفويض شعبي جديد حازه الحزب الإسلامي، سيمكّنه، على الأرجح، من تصدّر مقاعد البرلمان المقبل في انتخابات العام المقبل، ما يعني احتفاظه بقيادة الحكومة، أو أقله بقاؤه فيها. والبادي أن البراغماتية السياسية لدى بنكيران، ورفاقه، تنشط مبكراً، في التأشير إلى إمكانية ائتلاف شراكةٍ مع حزب الأصالة والمعاصرة، الخصم الأهم لـ "العدالة والتنمية"، والندّ الحاضر له، ما يجعل هذيْن الحزبين الكبيرين عنوان الاستقطاب والثنائية في المشهد العام، ما قد يعني وجاهة في الاجتهاد أنهما يرثان الساحة من الحزبين الهرمين، الاتحاد الاشتراكي والاستقلال.
هو، إذن، نجاح انتخابي وسياسي ومدني لحزبٍ من تشكيلات الإسلام السياسي، يتعدّى "الإخوانية" ولا يقف عند حدودها. والمثير أن هذا النجاح يحقّقه حزب العدالة والتنمية، في غضون وجوده حاكماً في السلطة التنفيذية، منذ أزيد من ثلاث سنوات، أجهدته فيها خياراتٌ غير شعبية غير قليلة، ولم يتمكّن في أثنائها من تقديم معالجات شافية لعلل اقتصادية وتنموية وإدارية معلومة (البطالة والغلاء مثلاً). وعلى ما يقال، فإن اختبار الحكم هو ما تتآكل في أتونه الشعبية والجماهيرية، أو تتناقص، الأمر الذي يُمكن، وإنْ بزوايا أخرى في المقاربة التحليلية، التدليل عليه بتجربة حركة النهضة في تونس، في أثناء شراكتها في حكومة "الترويكا" التي أخفقت في ملفات اجتماعية واقتصادية ومعيشية جوهرية. وكان إخفاقاً استثمره حزب نداء تونس الذي تشكل بسرعةٍ، تبرر ظلال الشكوك بشأن تمثيليته في البلاد، فقطف الصدارة في انتخابات البرلمان، وحاز رئاسة الجمهورية تالياً.
في تونس، هما حركة النهضة، الإسلامية غير الإخوانية أيضاً، والحزب الذي صنعته قوى الدولة العميقة ورموزها وفاعلوها من أعيان ورجال أعمال ومن نخب الحكم السابق، يحتلان النقاش السياسي العام. وفي المغرب، ثمّة التنافس ظاهر بين "العدالة والتنمية" و"الأصالة والمعاصرة" الذي كثيراً ما ألمح بنكيران إلى "تماسيح" و"عفاريت" فيه، وفي حواشيه، تعرقل حكومته وخياراتها وإصلاحاتها. هو الحزب الذي يصح اعتباره توليفة الدولة المغربية العميقة، التي يتحالف فيها الرأسمال النافذ والليبرالية الفوقية والأوساط المتخففة من رهانات الأحزاب التقليدية الشائخة، وتنشط فيه حواضن الدولة والجهاز الإداري العميق فيها، ومن يشايعهم القصر الملكي في خيارات ووجهات وسياسات ظاهرة.
المشهدان، التونسي والمغربي، يوفران وجاهةً للزعم أن في وسع الإسلام السياسي في الفضاء العربي أن يحوز حصته في الحقلين، السياسي والمدني، وأن يربح انتخاباتٍ ويتزعم فيها ويخسر أخرى، وأن يتراجع إلى مرتبة ثانية وثالثة، وأن يستعيد، في طور محتمل ومتوقع، مرتبة أولى أقام فيها. وهذا كله مشروط ببيئةٍ تتوفر فيها استحقاقات اللعب في مثل هذه التمارين الديمقراطية، ذات التفاصيل التي لا يُقيم فيها العساكر، ولا يعبثون فيها، ولا مطرح فيها للجيش وصياً ولا حارساً للديمقراطية، على ما ظل الزعم في مصر، مثلاً، حيث انتكس التمرين هناك، بالدعاوى المعلومة، وكانت النتائج على ما نشاهد. والمقطع الانتخابي الجديد في المغرب مفيد لإمعان النظر في راهن الإسلام السياسي العربي وتنويعاته، وفي حاضره ومستقبله. لماذا إتعاب الذهن بشأن تركيا، وبشأن الخيبة المصرية، ثمّة المغرب وجواره التونسي أجدى.
هو، إذن، نجاح انتخابي وسياسي ومدني لحزبٍ من تشكيلات الإسلام السياسي، يتعدّى "الإخوانية" ولا يقف عند حدودها. والمثير أن هذا النجاح يحقّقه حزب العدالة والتنمية، في غضون وجوده حاكماً في السلطة التنفيذية، منذ أزيد من ثلاث سنوات، أجهدته فيها خياراتٌ غير شعبية غير قليلة، ولم يتمكّن في أثنائها من تقديم معالجات شافية لعلل اقتصادية وتنموية وإدارية معلومة (البطالة والغلاء مثلاً). وعلى ما يقال، فإن اختبار الحكم هو ما تتآكل في أتونه الشعبية والجماهيرية، أو تتناقص، الأمر الذي يُمكن، وإنْ بزوايا أخرى في المقاربة التحليلية، التدليل عليه بتجربة حركة النهضة في تونس، في أثناء شراكتها في حكومة "الترويكا" التي أخفقت في ملفات اجتماعية واقتصادية ومعيشية جوهرية. وكان إخفاقاً استثمره حزب نداء تونس الذي تشكل بسرعةٍ، تبرر ظلال الشكوك بشأن تمثيليته في البلاد، فقطف الصدارة في انتخابات البرلمان، وحاز رئاسة الجمهورية تالياً.
في تونس، هما حركة النهضة، الإسلامية غير الإخوانية أيضاً، والحزب الذي صنعته قوى الدولة العميقة ورموزها وفاعلوها من أعيان ورجال أعمال ومن نخب الحكم السابق، يحتلان النقاش السياسي العام. وفي المغرب، ثمّة التنافس ظاهر بين "العدالة والتنمية" و"الأصالة والمعاصرة" الذي كثيراً ما ألمح بنكيران إلى "تماسيح" و"عفاريت" فيه، وفي حواشيه، تعرقل حكومته وخياراتها وإصلاحاتها. هو الحزب الذي يصح اعتباره توليفة الدولة المغربية العميقة، التي يتحالف فيها الرأسمال النافذ والليبرالية الفوقية والأوساط المتخففة من رهانات الأحزاب التقليدية الشائخة، وتنشط فيه حواضن الدولة والجهاز الإداري العميق فيها، ومن يشايعهم القصر الملكي في خيارات ووجهات وسياسات ظاهرة.
المشهدان، التونسي والمغربي، يوفران وجاهةً للزعم أن في وسع الإسلام السياسي في الفضاء العربي أن يحوز حصته في الحقلين، السياسي والمدني، وأن يربح انتخاباتٍ ويتزعم فيها ويخسر أخرى، وأن يتراجع إلى مرتبة ثانية وثالثة، وأن يستعيد، في طور محتمل ومتوقع، مرتبة أولى أقام فيها. وهذا كله مشروط ببيئةٍ تتوفر فيها استحقاقات اللعب في مثل هذه التمارين الديمقراطية، ذات التفاصيل التي لا يُقيم فيها العساكر، ولا يعبثون فيها، ولا مطرح فيها للجيش وصياً ولا حارساً للديمقراطية، على ما ظل الزعم في مصر، مثلاً، حيث انتكس التمرين هناك، بالدعاوى المعلومة، وكانت النتائج على ما نشاهد. والمقطع الانتخابي الجديد في المغرب مفيد لإمعان النظر في راهن الإسلام السياسي العربي وتنويعاته، وفي حاضره ومستقبله. لماذا إتعاب الذهن بشأن تركيا، وبشأن الخيبة المصرية، ثمّة المغرب وجواره التونسي أجدى.