في الواقع السياسي الألماني والانتخابات المقبلة

25 سبتمبر 2021

صور في برلين للمرشحين للمستشارية في ألمانيا:أنالينا بيربوك، شولتس، لاشيت(21/9/2021/Getty)

+ الخط -

تنعقد غدا، 26 سبتمبر/ أيلول، الانتخابات التشريعية العامة على مستوى الولايات الألمانية، ومن خلالها سيتم تحديد الحزب الفائز بالنسبة الأكبر من الأصوات، ليكون قادرا على تسمية مرشّحه للمستشارية. وتشير استطلاعات الرأي هذه المرة إلى تقدّم مرشّح الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أولاف شولتس، بما يعني أنه من الممكن أن يكون هو الفائز المحتمل بمنصب المستشارية خلفا لأنجيلا ميركل. وتأتي هذه الانتخابات في ظل أزمات داخلية تمر بها الأحزاب الألمانية، سواء على مستوى القضايا الداخلية للحزب الواحد، أو القضايا المجتمعية للمجتمع الألماني، إلى جانب الظروف الدولية التي يمر بها العالم، سواء على مستوى أزمة كورونا الاقتصادية، والوضع في أفغانستان، وكذلك المواجهة الأميركية الأوروبية للصعود الصيني، إلى جانب أزمات الاتحاد الأوروبي وقضاياه المختلفة.

في ما يتعلق بالقضايا الحزبية، تشهد الأحزاب السياسية الألمانية أزمات عدة، تتعلق بعمليات التجديد داخل الكوادر الحزبية وتقديم رؤية جديدة تختلف عن الرؤية الحالية التي قد يمتد عمرها عشرين عاما، وأصبحت لا تتوافق مع المتغيرات الحالية التي يشهدها المجتمع الألماني، وعلى سبيل المثال هيمنة الرؤية المحافظة داخل الأحزاب الألمانية الكبرى وضعف التيار اليساري فيها. فمثلا إذا تحدّثنا عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي (أقدم الأحزاب الألمانية)، ومرشّحه للمستشارية أولاف شولتس الذي يشغل منصب وزير المالية، ونائب المستشارة ميركل، نجد أن شولتس خسر تصويت أعضاء الحزب في 2019 على رئاسة الحزب، لصالح القيادة الثانية للحزب المتأثرة بالتوجه اليساري الواضح. وكانت بالفعل مفاجأة أن يرشّحه الحزب لمنصب المستشارية، في مقابل الثنائي ساسكيا إسكين ونوربرت فالتر بوريانس، اللذين لديهما برامج سياسية مختلفة للغاية عن شولتس وأكثر وضوحا. وهنا يتعجّب بعضهم كيف للحزب أن يرشّح شخصا للمستشارية لم يكن يرغب فيه رئيسا للحزب. أزمة أخرى يمر بها الحزب، تتعلق بتقديم معنى جديد للاشتراكية الديمقراطية، يختلف عن النظرة المحافظة التي يقدّمها شولتس، والتي يبدو أن الحزب لا يجد إجابة عنها سوى أنه حصرها في المسألة الاقتصادية، ورفع شعار زيادة الأجور من خلال زيادة أجر ساعة العمل، ورفعها من 8 يورو إلى 12، وتقديمها أنها محاولة إصلاحية. وهذا هو الخطاب الأبرز والوحيد الذي يتحدّث عنه الحزب حاليا، ويبدو أنه نابع من تصوّرات مرشحه أولاف شولتس. لكن هذا الشعار يعيدنا إلى عام 2010، حينما أطلق المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر خطة إصلاح سوق العمل الألماني، والتي أثارت جدلا واسعا حينها، بما سبّبته من فجوة في دخول الأشخاص المتضرّرين من تلك الخطّة، وقد دافع عنها شولتس آنذاك. وعلى الرغم من المقاومة الشرسة للخطّة، حتى من داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي نفسه، إلا أن شولتس استمرّ في الدفاع عنها، حتى فشلت الخطة، وخسر الحزب الاستراكي الديمقرطي منصب المستشارية، فهل يريد شولتس أن يُصلح أخطاء الماضي؟

هيمنة الرؤية المحافظة داخل الأحزاب الألمانية الكبرى وضعف التيار اليساري فيها

في المرتبة الثانية، حل مرشّح الحزب الديمقراطي المسيحي (حزب المستشارة ميركل)، آرمين لاشت. وقبل الحديث عن الرجل، هناك أزمات تعصف بالحزب الديمقراطي المسيحي من الأساس، بدايةً من تسمية مرشحه لمنصب المستشارية، والظروف الداخلية للحزب، فقد تمت تسمية لاشت مرشحا للمنصب في فترة شهدت أزمة حادّة مر بها الحزب وشريكه البافاري، فقد دخل الحزب المسيحي الديمقراطي وحلفاؤه البافاريون، الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، في صراع فوضوي لتحديد من سيكون مرشّحهم لمنصب المستشارية. وضغط الأعضاء المؤثرون داخل التكتل على المرشحين الاثنين لإنهاء الخلاف، خوفا من أن يضرّ ذلك بجهودهم للفوز بفترة خامسة على التوالي في الحكم في الانتخابات المرتقبة. وقد كان الخلاف محتدما بين رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي ورئيس حكومة ولاية شمال الراين - ويستفاليا آرمين لاشت، ورئيس الاتحاد الاجتماعي المسيحي الأصغر سنا ورئيس حكومة ولاية بافاريا ماركوس زودر، على أن تلك المواجهة التي كانت قد تمّت لتسمية مرشّح الحزب لمنصب المستشارية تُعتبر أمرا نادرا منذ التحالف الذي قام بين هذين "الحزبين الشقيقين" بعد الحرب، والتي جعلت الصحافة الألمانية تقول إن الأمر قد يتطوّر إلى حد الانفصال. هناك أزمة أخرى تعصف بالحزب، وهي فضيحة اختلاس أموال مرتبطة بشراء كمّامات طبية في أثناء أزمة كورونا.

تشهد الأحزاب السياسية الألمانية أزمات عدة، تتعلق بعمليات التجديد داخل الكوادر الحزبية وتقديم رؤية جديدة

وبالعودة إلى مرشح الحزب آرمين لاشت، نجده لا يتمتع بأي كاريزما حقيقية تؤهله لتولي هذا المنصب وخلافة ميركل، إلى جانب أن للحزب أكثر من 16 عاما في السلطة، وقد فقد شعبيته في الشارع على أثر أزمة اللاجئين في 2015، ووضح ذلك في انتخابات 2017 حينما فقد كتلة تصويتية كبيرة لم يستطع معها تشكيل الحكومة بسهولة، بل اضطر للدخول في تحالف موسع ومفاوضاتٍ أدّت إلى تعطيل تشكيل الحكومة ستة أشهر. إلى جانب هذه النقطة، يواجه آرمين لاشت صعوبات كبيرة في نظر الناخب الألماني، فالرجل، كما يقولون، لا يجيد الظهور بمظهر السياسي المسؤول، فالصورة التي التقطت للرجل وهو يضحك في أثناء زيارته لولاية شمال الراين - ويستفاليا بعد كارثة الفيضانات التي ضربتها بشدة، أنهت مستقبل الرجل سياسيا، وأخرجته من صورة الشعور بالمسؤولية والتعاطف مع الضحايا، سياسيا ومرشحا لمنصب المستشارية، إلى صورة الشخص عديم المسؤولية. لم تتوقف هفوات الرجل عند هذا الحد، بل إنه يضع نفسه ضد خطاب التغير المناخي والحفاظ على البيئة الذي يسيطر على العالم أجمع، فالرجل يؤيد وبقوة مصنع تيسلا في منطفة براندنبورغ بالقرب من برلين، وهو المصنع الذي يواجه مناهضة قوية من نشطاء البيئة الذين يرون أن المصنع يستهلك كميات من المياه ويضر بالبيئة. وحلت في المرتبة الثالثة مرشّحة حزب الخضر أنالينا بيربوك. ووفقا لاستطلاعات الرأي، فإن نحو 20% من الناخبين سيصوّتون لصالح الخضر في الانتخابات، وقد يحصل الحزب بذلك على عشرات المقاعد في البرلمان الألماني. وإذا نجح في ذلك، ستكون لديه مطالبة قوية بمكان في أي حكومة ائتلافية. تتبنّى أنالينا في الواقع سياسات حزب الخضر، من حيث الانفتاح لقبول مزيد من اللاجئين، وكذلك الحفاظ على البيئة، فحملتها تسعى إلى التخلص التدريجي من الفحم، وتحديد السرعة على الطرق السريعة في ألمانيا، والتشجيع على اقتناء السيارات الكهربائية للحفاظ على البيئة.

وعلى الرغم من احتدام الجدل حول القضايا الداخلية الألمانية، فإن هناك غيابا واضحا بشأن القضايا الدولية في خطاب المرشّحين الثلاثة، باستثناء ما صرّحت به مرشحة حزب الخضر عن نيتها سحب النووي الأميركي من ألمانيا، لكن المناظرة التي جرت بين المرشحين الثلاثة لم تشهد أي سؤال بشأن الاتحاد الأوروبي، والسياسة الخارجية واللاجئين والمواجهة مع الصين، وهو ما يمكن اعتباره بداية الانكفاء الألماني على ذاته بعد رحيل ميركل عن السلطة.

BA733789-23B4-4A69-9D4A-CB7E100A9A4B
تقادم الخطيب

أكاديمي، باحث مصري في جامعة برلين، مشارك في الحراك السياسي المصري منذ 2006؛ ومسؤول ملف الاتصال السياسي في الجمعية الوطنية للتغيير سابقاً.