في تفسير "الإخفاق الذي يفوق إخفاق 1973"
ما عاد سرًّا أن ثمّة هامشًا عريضًا لتفسير حكمٍ يحظى بشبه إجماع في إسرائيل، فحواه أن المفاجأة التي انطوت عليها عملية طوفان الأقصى هي استراتيجية بحجم مفاجأة حرب أكتوبر 1973 (حرب يوم الغفران في تسميتها الإسرائيلية) ولكنها أشدّ إذلالًا. وفي الوقت عينه، يفوق الإخفاق الإسرائيلي في التعامل معها الإخفاق في تلك الحرب بكثير، وليس فقط على مستوى الاستشراف الاستخباراتي. وإذا ما اقترضنا بعض عبارات كبار الجنرالات الإسرائيليين السابقين، لا يدور الحديث هنا حول خلية من خمسة أشخاص، إنما عن هجوم كوماندوز بمشاركة كتيبتين بتنسيقٍ عالٍ جدًا، رافقه استعمال قذائف، مع مظلّات، ومحاولة دخول من البحر. أي أن الحديث هنا عن عملية حقيقية، لم تعرف أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بالكامل عنها شيئًا.
ولو اقتصر حديثُنا على الجانب الاستخباراتي، والذي تطوّر كثيرًا منذ أعوام نصف القرن التي مرّت على حرب 1973، وآل إلى أن تصبح إسرائيل من أكثر الدول تقدّمًا في هذا المجال، إلى جانب مجالات أخرى تتعلق بالتكنولوجيا، وكذلك بالردع وعمليات الإحباط المسبقة، فإن الاخفاق غير مسبوقٍ حتى لدى المقارنة بين الحدثين. لتوضيح ذلك، لا بُدّ من أن نعيد إلى الأذهان أن آخر المقاربات المتعلقة بتلك الحرب العربيّة - الإسرائيلية تنفي عنصر المفاجأة عنها، من خلال توكيد أن إسرائيل كانت على علمٍ مسبقٍ بها وفقًا للمعلومة التي أحضرها رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي في حينه، تسفي زامير، بعد لقائه سكرتير الرئيس المصري أنور السادات لشؤون المعلومات، أشرف مروان، ومفادها بأن مصر تعتزم شنّ الحرب يوم السادس من أكتوبر/ تشرين الأول. وفي هذا الصدد تحديدًا، كتب السفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة، زلمان شوفال، في صحيفة معاريف: هناك من يُقارن الهجوم المباغت الذي شنته حركة حماس بـ"مفاجأة" حرب يوم الغفران. ولكن ينبغي أن نعيد التذكير بأنه في تلك الحرب التي اندلعت قبل خمسين عامًا لم تكن هناك مفاجأة قطّ، بل كان هناك تعتيم آثم وغير مسؤول، من رئيسة الحكومة ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، على معلومة استخباراتية أشارت على نحو واضح ولا يقبل التأويل إلى نيّة مصر البدء بالحرب. كذلك كان التقصير أو الإخفاق في حينه من فرع واحد من مؤسّسة الاستخبارات، أما الآن فالإخفاق هو لهذه المؤسّسة برمتها التي لم تكن في حيازتها أي ذرّة من المعلومات عن نيّة "حماس".
المقصود بعبارة "فرع واحد في مؤسسة الاستخبارات" شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش، والتي قيل في حينه إن رئيسها إيلي زاعيرا لم يعر أدنى اهتمام إلى معلومة أشرف مروان التي حملها رئيس الموساد، وظلّ مصرًّا على أن تقييمات شعبته تتناقض مع هذه المعلومة. ولكن زاعيرا نفسُه الذي ما زال حيًّا (96 عامًا)، أدلى، أخيرًا، بمقابلة مطوّلة إلى الملحق الأسبوعي لصحيفة يديعوت أحرونوت، سخر فيها من ادّعاء المؤسّسة السياسية الإسرائيلية أنها فوجئت بنيّة مصر إعلان حرب 1973، وكشف أنه أبلغ، قبل اندلاع الحرب بيومين، وزير الدفاع أن لدى شعبته معلومات تفيد بأن الروس في حالة هلع، ويقومون بإجلاء عائلات المستشارين من سورية إلى روسيا، معربًا عن اعتقاده بأن هذه المعلومات "بمثابة تحذير من حرب"، ما ينفي عنصر المفاجأة.
من المهم كذلك أن نوضّح أن عدة تحليلات إسرائيلية أبدت قدرًا من الإعجاب باستخلاص "حماس" العبر من عدوان 2014. وبرأيها أن الحركة في ذلك العدوان فشلت في إدخال مسلحين على الرغم من شنّ هجماتها عبر الأنفاق، والتي تصدّت لأغلبيتها قوات الجيش الإسرائيلي. وهذه المرّة تم ضرب المواقع العسكرية التي يبدو أن درجة جهوزيتها كانت متدنّية نسبيًا، وحجم قواتها كان محدودًا. وعندما جرى إخلاء هذه المواقع وشلّها مؤقتًا، دخلت قوة النخبة التابعة لـ"حماس" إلى عدة بلدات داخل "الغلاف"، فبقيت هذه البلدات من دون دفاع جدّي!