04 نوفمبر 2024
في ضرورة هزيمة حفتر
لم يتجرّأ خليفة حفتر (75 عاماً)، وهو جنرال ليبي مارق بحسب كاتبٍ في "صنداي تايمز"، في السنوات الخمس الماضية، بعد إعلانه نفسَه محارباً من أجل كرامة الليبيين، وتدشينه جولات تمرّده على "المؤتمر الوطني العام"، ثم إطلاقه في 2014 أولى عملياته العسكرية، من أجل "تطهير" ليبيا من الإرهابيين، لم يتجرأ، طوال هذه المدة، ليفعل ما فعله الخميس الماضي، بتقدّم عسكري باتجاه العاصمة طرابلس، وجوارها في الغرب الليبي، ليباغتهما ببدء "الفتح العظيم"، كما سمّى عمليته العسكرية التي صدّها الجيش التابع لحكومة الوفاق، وقواتٌ وكتائبُ ومليشياتٌ تواليها. والبادي ميدانياً أن ما تخيّله العسكري العتيق من الفتح الذي يشتهيه، و"تحريره" طرابلس من الإرهاب، دونهما مشاقّ ميدانيةٌ عويصةٌ، ليس مستبعداً أن تُجهز عليه، بل وتجيز نعت مغامرته غير المحسوبة انتحاراً. والمرجّح أنه أقدم عليها بعدما تمكّن منه طيشٌ غزير، لمّا حظي، قبل عشرة أيام، باجتماع الملك سلمان معه في قصر اليمامة في الرياض، وآخر مع ولي العهد، بحضور رئيس الاستخبارات السعودية، خالد الحميدان.
ولأن ليبيا التي أذاعت "بي سي سي" مرّة أن فيها 1500 مليشيا، ساحة مكايداتٍ إقليميةٍ ودوليةٍ، وأرض تنازع مصالح، ولكل طرفٍ في معادلتها الداخلية العويصة ارتباطاتُه بخارجٍ يسعفُه ويدعمه، يصير من البلاهة أن يفترض واحدُنا أن المأسور السابق في تشاد، والأميركي الجنسية، والإقامة عشرين عاماً، صاحب الهوى الانقلابي القديم، خليفة بلقاسم حفتر، اختار موعد "الفتح العظيم" للعبور إلى العاصمة في الغرب البعيد عن معاقله، من عنديّاته، ومن دون أضواء خضراء من غير عاصمة، وربما منها باريس التي استشعر رئيس حكومة الوفاق، فائز السراج، شيئاً غير طيبٍ منها، فاستدعى سفيرتَها في طرابلس وأبلغها احتجاجاً معلناً. أما أبو ظبي والرياض، فيكفي أن تطالع صحافاتهما، لتصادف احتفاءًً ظاهراً بما ينجزه "قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر" من نجاحاتٍ ضد المليشيات الجهادية في طرابلس، الأمر الذي لا يعني سوى أمرٍ وحيد، موجزُه أن إقالة الشعب الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، ومواصلته ثورته التي لم يسقط فيها أي جريح ضد النظام، إنجازٌ ينبغي أن ينخدش بـ "فتحٍ عظيم" في ليبيا، يستبق به حفتر المؤتمر الوطني الليبي الجامع، المقرّر عقده في 14 إبريل/ نيسان الحالي في غدامس، إذا ما قيّض له أن ينعقد، ليمكنه في هذا المؤتمر إحراز ما هو أكثر من قيادة الجيش ومسؤولية الأجهزة الأمنية، كما وعده بذلك مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة، وبدا أن حكومة الوفاق قد لا تُمانع إذا ما اندرج هذا الأمر ضمن سلة تفاهماتٍ مؤكّدة وموثقة، تصلح أرضيةً تمهد لانتخابات عامة في البلاد، طالما وعد سلامة بانتظامها في الربيع الحالي.
أعداد القتلى والجرحى والأسرى، وغارات الطيران، والكرّ والفر، والاشتباكات الشرسة المتوقع أن تشتد في اليومين المقبلين، والنهايات غير المحسومة للحرب الحالية في طرابلس وجوارها، كل هذه وغيرها، مضافاً إليها رفض أبو ظبي والرياض هزيمةً مريرةً قد تلحق بحليفهما المدلل حفتر، لا تترك مطرحاً لتفاؤلٍ يسوق إلى سيناريو مؤتمر غدامس وانتخاباتٍ تليه، وإنما إلى تشاؤمٍ نضطر إليه، ما دام قرار الحرب قد اتخذته غير عاصمةٍ عربية وأوروبية (مع قلة اكتراث أميركي)، وهذه الحرب لا تحتاج إلى تغريدات ضاحي خلفان، وإنما إلى محاربين وطيارين وذخائر (مصرية مثلاً)، ما يعني أن الموقف في ليبيا يذهب إلى تدهورٍ إنساني صعب، وإلى تشوّش سياسي متوقع، وإلى مربعٍ أول، وإلى مأساةٍ استشعر حدوثَها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غويتريس، لمّا غادر ليبيا حزيناً، وهو الذي بدأت عملية خليفة حفتر العسكرية مع وصوله، ليكون خلط الأوراق مشهداً وحيداً أمامه، عساه يُقنع مبعوثَه غسان سلامة بأن الحل في ليبيا أن يصير حفتر رئيساً في طرابلس، الأمر الذي ليس في وسع المثقف اللبناني، ذي الهوى الفرانكفوني الظاهر، أن يعمل عليه، لكنه يداري باريس، ويحاول، في الوقت نفسه، عدم إغضاب روما التي لن تسمح بانتصار حفتر..
ليس من الحصافة أن ينشغل معلقٌ صحافي في تنبؤ خواتيم معارك عسكرية في خرائط العنف الليبية، غير أن من الضروري تأكيد ضرورة هزيمة خليفة حفتر ومشروعه، ليس انتصاراً لغرمائه في حكومة الوفاق في طرابلس، وإنما لضرورات موجةٍ ثانيةٍ من ربيعٍ عربيٍّ يتجدّد في الجزائر.. والسودان أيضاً.
أعداد القتلى والجرحى والأسرى، وغارات الطيران، والكرّ والفر، والاشتباكات الشرسة المتوقع أن تشتد في اليومين المقبلين، والنهايات غير المحسومة للحرب الحالية في طرابلس وجوارها، كل هذه وغيرها، مضافاً إليها رفض أبو ظبي والرياض هزيمةً مريرةً قد تلحق بحليفهما المدلل حفتر، لا تترك مطرحاً لتفاؤلٍ يسوق إلى سيناريو مؤتمر غدامس وانتخاباتٍ تليه، وإنما إلى تشاؤمٍ نضطر إليه، ما دام قرار الحرب قد اتخذته غير عاصمةٍ عربية وأوروبية (مع قلة اكتراث أميركي)، وهذه الحرب لا تحتاج إلى تغريدات ضاحي خلفان، وإنما إلى محاربين وطيارين وذخائر (مصرية مثلاً)، ما يعني أن الموقف في ليبيا يذهب إلى تدهورٍ إنساني صعب، وإلى تشوّش سياسي متوقع، وإلى مربعٍ أول، وإلى مأساةٍ استشعر حدوثَها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غويتريس، لمّا غادر ليبيا حزيناً، وهو الذي بدأت عملية خليفة حفتر العسكرية مع وصوله، ليكون خلط الأوراق مشهداً وحيداً أمامه، عساه يُقنع مبعوثَه غسان سلامة بأن الحل في ليبيا أن يصير حفتر رئيساً في طرابلس، الأمر الذي ليس في وسع المثقف اللبناني، ذي الهوى الفرانكفوني الظاهر، أن يعمل عليه، لكنه يداري باريس، ويحاول، في الوقت نفسه، عدم إغضاب روما التي لن تسمح بانتصار حفتر..
ليس من الحصافة أن ينشغل معلقٌ صحافي في تنبؤ خواتيم معارك عسكرية في خرائط العنف الليبية، غير أن من الضروري تأكيد ضرورة هزيمة خليفة حفتر ومشروعه، ليس انتصاراً لغرمائه في حكومة الوفاق في طرابلس، وإنما لضرورات موجةٍ ثانيةٍ من ربيعٍ عربيٍّ يتجدّد في الجزائر.. والسودان أيضاً.