في مآل "عملية التسوية" الإسرائيلية - الفلسطينية
بمتابعة آخر المقاربات التي ظهرت في إسرائيل بشأن واقع ما تسمّى "عملية السلام مع الفلسطينيين"، ارتباطًا بأحدث المستجدّات الداخلية والإقليمية والدولية، في الوسع الإشارة إلى ما يلي: هناك توقعات بأن تعود تلك العملية إلى ما يُعرف بـ"سكتها المعهودة" المؤلفة من المفاوضات بشأن الحل الدائم، والتي حادت عنها بتأثير خطوات الإدارة الأميركية السابقة برئاسة دونالد ترامب، بموازاة توقعاتٍ أخرى بأن تحظى هذه العودة بتأييدٍ من الأسرة الدولية، بعد أن تسببت سياسة تلك الإدارة بتباعدٍ مُعلن بين الجانبين، فيما يخصّ قضية فلسطين واحتمالات تسويتها.
غير أن مثل هذه العودة لا تلوح في الأفق المنظور، وذلك في ضوء حقيقتين رئيستين: الأولى، أن الإدارة الأميركية الجديدة لا تضع قضية فلسطين في درجة متقدّمة من سلم أولوياتها، ولا تبدو معنية باتخاذ خطوات عملية بشأنها خلال الفترة الزمنية القريبة. الثانية، الأزمة السياسية الحزبيّة التي تتخبط فيها إسرائيل منذ عامين ونيّف، وتجرّها من جولة انتخابية إلى أخرى، من دون أن يظهر ما يبشّر باحتمال الخروج النهائي منها في المدى القريب. ويلقي هذا الأمر بظلاله أيضًا على أي محاولات أو خطوات أميركية يمكن أن تخرج إلى حيّز التنفيذ في الفترة القريبة المقبلة.
ولا بُدّ من التذكير بأن آخر مبادرة وساطة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني قام بها وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، في عام 2014، ولم تتكلل بالنجاح، شأن كل المبادرات والجهود السابقة.
ووفقًا للقراءات الإسرائيلية ومسوّغاتها حيال مآل "عملية السلام" في الوقت الراهن، فإن فشل هذه المبادرات والجهود يعكس ليس عدم قدرة الطرفين على الوصول إلى النتيجة المرجوّة ضمن الجدول الزمني المُحدّد فحسب، إنما أيضًا يعكس وزن عدد من العوامل الأساسية التي تصعّب على الجانبين إنهاء المفاوضات بنجاح، حتى لو أتيح للمفاوضين وقت إضافي. ومهما تكن تلك العوامل، يُشار في جلّ المقاربات الإسرائيلية على نحو خاص إلى اثنين منها:
الأول، الوضع السياسي الداخلي في الساحة الفلسطينية (أراضي 1967)، فهي منقسمة بين قطاع غزة الخاضع لسلطة حركة حماس والضفة الغربية الخاضعة لسلطة فلسطينية تشكّل حركة فتح قاعدة سياسية لها. الأولى لا تعترف بإسرائيل، وليست مستعدة للتفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق دائم معها. والثانية تعترف بإسرائيل وترغب في التفاوض من أجل تسوية دائمة معها. وعلى الرغم من أن هذه السلطة تخضع لسيطرة شركاء إسرائيل في المفاوضات منذ 1993، إلا أن من المشكوك فيه أن تكون قادرة على التوصل إلى اتفاق دائم، وأن تطبّقه، وذلك لأن هذه السلطة تعاني مشكلتين أساسيتين: فقدان الشرعية (غير منتخبة من الجمهور الفلسطيني)، والضعف.
العامل الثاني، الوضع السياسي الداخلي في إسرائيل، والذي كان قائمًا قبل الأزمة الأخيرة أيضًا. وبصدد ذلك الوضع، يُشار إلى أنه بعد أعوام الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت عام 2000، وبعد عدة حروب، بداية في لبنان في صيف 2006، ثم في قطاع غزة في 2008 - 2009 و2012 و2014، فقد الجمهور الإسرائيلي ثقته بإمكان التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين ينهي الصراع معهم. كذلك هناك عدم ثقة أو قناعة بمبدأ "مقايضة الأرض بالسلام"، والذي استبدل أخيرًا بمبدأ "مقايضة السلام بالسلام"، بمباركة بضع دول عربية وقّعت اتفاقات تطبيع مع إسرائيل. وقد استنتج الجمهور الإسرائيلي مما اعتبر فشل الانسحاب الأحادي الجانب من جنوب لبنان وقطاع غزة بأن من شأن الانسحاب من أراضٍ مُحتلة وتسليمها إلى الجانب الفلسطيني أن يوجد تهديدات جديدة فقط. ومثل هذه الأجواء العامة عبّرت عن نفسها في نتائج معظم جولات الانتخابات الإسرائيلية التي أفضت أخيرًا إلى فوز أحزاب اليمين بأغلبية مقاعد الكنيست، على الرغم من أنها لا تنجح في تأليف حكومة يمينية مستقرّة بسبب خلافها على شخص من يقف في رأسها، لا على سياستها.