في مسألة أحمد الدقامسة

13 مارس 2017

أحمد الدقامسة.. ماذا بعد الحبس 20 عاما؟

+ الخط -
لما عُيّن إرييل شارون وزيرا لخارجية إسرائيل، في العام 1998، طالب المعارض الأردني، ليث شبيلات، حكومة بلاده، بالإفراج عن الجندي المسرّح والمحبوس، أحمد الدقامسة، وتعيينه وزيرا للخارجية. وحرص على تنزيه هذا الشاب الذي كان قد حُكم بالسجن المؤبد لقتله سبع تلميذات (وجرح خمس) إسرائيليات، في منطقة حدوديةٍ مع فلسطين، عن مشابهته مع مجرم الحرب المذكور، غير أن شبيلات افترض خطوة تعيين الأخير وزيرا للخارجية (صار لاحقا رئيس حكومة) خطوةً استفزازية للأردن والعرب، يجب أن تقابلها خطوةٌ أردنيةٌ تستفز دولة الاحتلال. كانت "مزحة" شبيلات تلك واحدةً من نوبات غضبٍ، وردّات فعلٍ، شعبية أردنية تتالت في العشرين عاما الماضية، ظلت تلحّ على الإفراج عن الدقامسة في "عفو ملكي"، غير أن السلطة لم تستجب، بل أكد السفير الأردني في تل أبيب لعائلات القتيلات، في استقبالهن مرةً، بأن الدقامسة قاتل ولن يحوز أي عفو. ولعل أشد المطالبات الأهلية الشعبية الأردنية بالإفراج عن العسكري الشاب (26 عاما عند حبسه)، كانت بعيْد قتل جندي إسرائيلي القاضي الأردني رائد زعيتر (38 عاما)، عند جسرٍ للعبور إلى فلسطين، في مارس/ آذار 2014، وقد تأكّد أن إسرائيل تراوغ في محاكمة القاتل، فيما لا تتابع الحكومة الأردنية القضية بالإلحاح الواجب. ولا يُنسى في وقائع مسألة الدقامسة، طوال سنوات حبسه العشرين (المؤبد) في سجن أم اللولو، أن وزيرا أردنيا للعدل، هو نقيب المحامين الأسبق، المرحوم حسين مجلي، اعتبر، في أثناء موقعه الوزاري في 2011، الدقامسة بطلا، وشارك في اعتصام من أجل الإفراج عنه. 

لا يبدو أن قضية الجندي الأردني السابق قد انتهت بإطلاق سراحه الليلة قبل الماضية، وتأمين رجالِ أمنٍ إيصاله إلى أهله في قريته، فالخوفُ على حياته من جريمةٍ إسرائيلية حمقاء مبرّر، وفي البال عمر النايف وسمير القنطار وغيرهما، ما يعني أن مسؤولية حمايته ستكون صداعا آخر للسلطات الأردنية. فضلا عن أنه، بعد ساعاتٍ من مبيته بين أسرته، يباشر إطلاق تصريحاتٍ جذرية، فلا يعترف بوجود إسرائيل، حيث فلسطين واحدة، وحل الدولتين كذبة. وليس ثمّة ما هو أطيب على أسماع الأردنيين من كلامٍ كهذا، وإنْ يتعبهم غلاء الأسعار واتساع البطالة وضيق العيش. والمتوقّع أن تعمد قوى المعارضة الأردنية، الإسلامية وغيرها، إلى "الاستثمار" في أحمد الدقامسة، والإفادة من شعبيته العريضة، ما سيجعل الأجهزة الأمنية يقظةً في هذا الشأن، فتعمل ما وسعها الجهد للحدّ من هذه الحالة المزعجة، ولعلها أرسلت، أمس، أولى إشاراتها بالتضييق على تغطيات الإعلام أفراح استقبال الدقامسة وتهنئته.
لا غضاضة في رأي بعضنا أنه لا بطولةَ في عملية الدقامسة قبل عشرين عاما، وأنها منقوصة الأخلاقية، لأنها استهدفت تلميذاتٍ صغيرات. ولكن على أصحاب هذا القول، المشروع، أن يتحملوا ما قد يواجَهون به من صدود واستنكار، بالنظر إلى أن كلامهم "ثقافي" محض، يعاكس مزاج غالبية الأردنيين، وإنْ لا يغفل التأشير إلى وحشية إسرائيل واعتداءاتها التي لا تتوقف على الأطفال الفلسطينيين ومنازلهم ومدارسهم، في قطاع غزة وغيره. ولكن، عوقب الدقامسة بالحبس عشرين عاما، وجلس الملك الحسين القرفصاء أمام أسر التلميذات القتيلات، واعتذرت الحكومة الأردنية، ولعلها دفعت تعويضاتٍ مالية، وهذا كله يجعل من المستحسن على تلك الأكاديمية الأخلاقية، الوجيهة على أي حال، عند الحديث عن قصة أحمد الدقامسة، أن لا تقفز عن هذا كله، وأن تتحسب من الوقوع في التعالى على وجدان عموم الناس، فتينك التلميذات مستوطناتٌ في واحد من تسمياتهن، عبرن في أرضٍ أردنية سائحاتٍ، وسخرن من عسكري أردني في أثناء صلاته، والمتسبب في قتلهن هو من قتل آلاف الفلسطينيين واللبنانيين والأردنيين والعرب. وللتذكير فقط، رفضت الإسرائيلية، نوريت بيليد، تعزية نتنياهو بابنها الذي قضى في عملية استشهادية في 1998، وأبلغته أنه القاتل الحقيقي لابنها، لأن تلك العملية جوابٌ على أفعاله.. لا نتفلسف لو سمع الإسرائيليون مجدّدا منا أن من قتل التلميذات السبع، قبل عشرين عاما، هو نتنياهو وأمثاله، بسبب جرائم الحرب الموصوفة التي ما توقفوا عنها يوما.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.