في مصر ترى كل شيء يبدو سعيداً
ما زالت مقبرة عبد الحليم حافظ محاطة بالعشّاق والدموع والورد، والمدافع هناك أيضا في الصحراء ملفوفة بالأعلام، وتطلق الطلقات من قبر الجندي المجهول، إرضاء للفلاحين والعمال والمهمشين وماسحي الأحذية، وكل من مات في الحروب فطيسا في القناة وحروب السلاطين، وإرضاء أيضا لنسبة العمال والفلاحين في البرلمان، بعدما امتلأ عن آخره بقطّاع الطرق ورجال الأعمال وصنّاع أدوات المكياج والسيراميك ودكاترة التحاليل والأشعة المقطعية، جنبا إلى جنب مع حديد عز وأبو هشيمة ومشاريع الجيش ودعوات ساويرس وزبيبة أشرف السعد.
في مصر، يمكنك أن تأكل رغيفا بالفول بجنيهين فقط لا غير، وتشرب الشاي وتتكرع على المقهى في الحسين كما قال "أبو شقة، أو شقتين"، بعدما شقّ حزب الوفد إلى شقتين وصالة، تحت عين الأمن السهران على حماية البواخر والموانئ. في مصر التي تبدو سعيدة دائما ممكن أيضا أن تبيع كليتك على المقهى نفسك، وتشتري بثمنها تلفونين، لك ولزوجتك، وشاشتين في عشة في أرمنت، وتربي أيضا كلبين، بعدما خلت البلاد من السياحة، وتولى الجيش تربية الجمبري للفقراء بعدما ملّوا الأسماك.
في مصر ترى كل شيء جميلا، فالقطارات في مواعيدها، بعدما أشارت إليهم حكمة الرئاسة بوضع العشرة مليارات جنيه في بنك سويسري يعطي فائدة بالضعف. وتراكمت الفوائد بالأطنان في البنوك، فاشترت الحكومة قطارا للفقراء بـ260 مليارا، كي يذهب العمّال والفلاحون إلى الصحراء للبناء والتعمير، ويسعون إلى اكتشاف الذهب والمنجنيز والرصاص في الصحراء الغربية والشرقية، وبالمرّة يزرعون الأربعة ملايين نخلة، والأربعة ملايين فدان قمح، بجوار المفاعل النووي في الضبعة للأمور السلمية. في مصر، ترى كل شيء جميلا، ابتداء من طوابير الصباح على مكاتب البريد لنيل "الـ500 جنيه"، والحليب والورد والكمامات وبطاطين القوات المسلحة وفرص العمل في العاصمة الإدارية مع الشقق الرخيصة جدا، وتتناسب مع وضع الشباب الذي يريد أن يبدأ حياته بالعرق والدموع والكفاح، بعيدا عن التطرّف والإرهاب وبرامج ساعة لقلبك ومحمود شكوكو وأماني الخياط ونشوى الحوفي عن الدماء التي خرجت من المصاحف من قرون، حتى ملأت قناة السويس القديمة بالجثث، فملأنا القناة الجديدة بالدولارات والجمبري، بعدما صاروا بددا، وزادت المياه في نهر النيل، فغطت الصحراء وفيصل والهرم، على الرغم من كيد أهل الشر، فمصر محمية من الله والمجلس البلدي، ولم يخلق الله على الأرض سواها، على الرغم من كيد أهل الشر وكارهي الجمبري.
في مصر ترى كل شيء جميلا، ابتداء من النقابات الفنية والموسيقية والإعلامية والصحافية وشؤون الكتابة القصصية والروائية والمسرحية والسينمائية، والجوائز تُرمى كالأعلاف تحت أقدام الجميع في الجونة والأوبرا والمسرح التجريبي، فماذا يريد منا أهل الشر بعد ذلك؟ كل شيء هنا يبدو جميلا، خصوصا من شرفات الفنادق على النيل، وهي محروسةٌ بمقياسه القديم، والمصري يخط على أوراق البردى حكمة وترتيلاته من آلاف السنين، ووسيم السيسي يفلسف الحكمة ويشرحها لخدمة الإله رع الذي أشرقت أنواره على مياه النيل، بعد الاتفاقية، فزادت غلال مصر، حتى أنها ستكفي الإمبراطوريات الوليدة في المشرق والمغرب و"إسرائيل"، إن شاء الله.
في مصر كل شيء في غاية السعادة، فكل استوديوهات التصوير عامرة بالبركات والألحان والتترات وفوانيس رمضان، استعدادا لمسلسلات الشهر الفضيل بالزبيب والياميش وشركات الإنتاج والملايين، كي نقهر الإرهاب في عقر داره من قلب الاستوديو، وتصير سيناء خضراء عامرة بالزيتون والنخيل، وفدادين "صاحب قناة المحور"، المليئة بالورد والنحل والنخيل والجامعات والعسل وآيات الذكر الحكيم، والمخابرات أيضا، وهذه بالطبع صدقة جارية من حرّ مال الشيخ أو ضابط المخابرات، دكتور حسن راتب. ومن يريد أن يرى بأم عينيه يجب أن يعيش بجوارنا، ويشرب معنا الشاي في العطّارين أو بولاق أبو العلا. ومن لا يريد أن يرى إنجازاتنا عليه أن يشرب من أقرب خرّارة انكسرت ماسورتها حديثا، أو "يدينا عرض اكتافه ويشوف له بلد تاني".