قصف سورية... حزنٌ ليس على الضبّاط الإيرانيين
من علامات الشرّ الذي يجسّده النظام السوري، أنه يدفع سوريين يحبّون بلدهم، وغير سوريين لا يتمنّون إلا الخير لسورية، إلى أن يفرحوا علناً أو في سرّهم كلما قصفت طائرة إسرائيلية هدفاً هناك، أي بصورة دورية منذ 11 عاماً، وبوتيرة شبه يومية منذ ستة أشهر. غالباً ما يكون المقصوف غير سوري، بل إيرانياً وما هو على شاكلته، أكان لبنانياً من حزب الله أم عراقياً يتبع لمليشيات طائفية لا مستقبل تقترحه على العراق والمنطقة والعالم سوى التخلف والعودة إلى أسوأ ما دوّنه التاريخ.
حجّة السعداء بقصف إسرائيل أهدافاً إيرانية في سورية بسيطة ومقنعة للوهلة الأولى: رجال نظام إيران وأتباعهم من حزب الله ومليشيات الحشد الشعبي قتلوا السوريين وعذّبوهم وهجّروهم وأهانوهم ودمّروا بلدهم وتلاعبوا بنسيجه الاجتماعي والطائفي والديمغرافي لإنقاذ بشّار الأسد بوصفه البائع النموذجي لبلد ولشعب في مقابل بخس، هو بقاؤه حاكماً من بين أربعة أو خمسة حكام لسورية. علماً أن الوطن ليس نشيداً ولا قصيدة، بل شعب وأرض، فإن حكّام طهران قضوا على سورية ــ الوطن بهذا المعنى، جنباً إلى جنب مع الروس والعصابة الأسدية وعصابات كثيرة من دمويين اتّخذوا لأنفسهم أسماء دينية، أرادوا اقتراح بديل لنظام الأسد، فجعلوا كثيرين يحتارون مَن يختارون، الدواعش و"النصرة" وبقية السلفيين من حملة الألقاب المرعبة، أو المرعب الأسدي وعرّابيه الأجانب؟
المنطق البسيط إذاً يجعل الشعور بالرضا على الأقلّ طبيعياً بالنسبة لملايين السوريين من ضحايا بقاء نظام الأسد بفضل حكّام طهران، في كل مرّة يسمعون عن غارة تصيب هدفاً إيرانياً منذ بدأت النزهات الإسرائيلية في سماء المدن السورية يوم 30 يناير/ كانون الثاني 2013. لكن المنطق البسيط قد لا يحمل حكمة كافية للتعاطي مع حالاتٍ كثيرة، كتجاهل أن حقيقة استباحة البلد بهذا الشكل تُضعف احتمالات بناء سورية جديدة. ليست إسرائيل وحيدة في استباحة سورية؛ فالقصفان، الأميركي والتركي، في شمال هذا البلد وغربه وشرقه، يسري عليهما كثير مما يُقال عن الذي تفعله الدولة العبرية، مع فارق ملحوظ في الحجم والأضرار بعيدة المدى تزرعها إسرائيل في بلد مهم كسورية، وهي تحتلّ أصلاً إحدى أكثر مناطقه ثراءً في الموارد الطبيعية والبشرية والمزايا الجغرافية ــ السياسية، كالجولان.
تحويل النظام السوري البلد إلى ساحة مفتوحة لتصفية حسابات إسرائيلية ــ إيرانية بلغ ذروته هذه الأيام. فرضية أنّ من يوفر المعطيات والإحداثيات للطائرات الإسرائيلية ضباط رفيعو المستوى من النظام لها ما يسندها في سياق إدراك أركان السلطة المهترئة في دمشق أن الأمور خرجت عن سيطرتهم التي لم تعد تغطّي سوى مساحات جغرافية ضيقة وقطاعات محدودة وموارد اقتصادية شحيحة لمصلحة بقية الحكام الفعليين، من إيرانيين وروس بدرجة أقل. يبقى أنّ من يحمل جواز سفر سورياً، ومن عرف سورية ومن زارها وعاشر ناسها المعذّبين وأحبّ مدنها وأريافها، ومن يدرك أهميتها في استقرار تلك المنطقة من الشرق الأوسط أو لا استقرارها، لا بد أن يكون على يقينٍ في منطقه المركَّب أن القصف الإسرائيلي المتواصل لدمشق وأريافها وحلب وحماة وحمص ودير الزور ودرعا واللاذقية وطرطوس، لا يجدُر أن يثير إلا الحزن العميق، لا على الضباط الإيرانيين طبعاً، بل على سورية نفسها، وعلى البؤس الذي وصلت إليه أحوالها بوصفها مساحة جغرافية غير صالحة للعيش ومرشّحة أن تبقى كذلك لزمن غير معلوم مداه.
القصف الإسرائيلي المتواصل لأهداف في سورية هو من النوع الذي يدفع مزيداً من أبناء البلد للمغادرة من دون عودة، ويجذب زبائن إضافيين إلى سوق الحروب الدائمة. زبائن تُفتح أراضي الله واسعةً أمامهم بالتدرّج في البلدان العربية، منذ انتصرت "الثورة" في طهران، وقرّرت أن يكون التصدير شعارها، تصدير الثورة أو التخريب بعبارة أخرى، وبيننا ملايين ممن يقفون في طوابير طالبي الموت.