كل هذا الكبتاغون
أشاعت المكالمة الهاتفية بين رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، وولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، بحضور الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في الرياض، ارتياحاً في لبنان، سيما أنّها صارت غداة استقالة الوزير جورج قرداحي. وفيما كان مرتقباً، أو مأمولاً على الأصح، أن تعقبها إجراءاتٌ سعوديةٌ باتجاه إعادة الرياض الوصل الدبلوماسي والسياسي مع لبنان، وتخفيفها حدّة اللغة تجاه البلد الضعيف المستضعَف، والعبور إلى صياغة أخرى للعلاقات بين البلدين، إلّا أنّ نحو شهر مضى على تلك المكالمة ولم يشهد شيئاً من هذا المأمول. وفي نهاية الأسبوع الماضي، جرت مكالمةٌ هاتفيةٌ أخرى، يمكن الادّعاء إنّ لها أهميتها أيضاً، بل في الوسع أن يُبنى عليها مقدارٌ من الأمل بإصلاحٍ مطلوبٍ وملحّ في علاقات لبنان وأربع من دول الخليج. فقد بادر وزير الداخلية الكويتي، أحمد المنصور الصباح، إلى مهاتفة نظيره اللبناني، بسام مولوي، وأبلغه تقدير بلادِه جهود لبنان التي أمكن بها منع وصول تسعة ملايين حبّة من مخدر الكبتاغون، محشوّة في شحنة برتقال (ذكرت أخبار إنّه ليمون) من مرفأ بيروت إلى الكويت. وقد أبلغ الوزير مرتضى الوزير أحمد الصباح، في المكالمة الأولى من نوعها منذ احتدام أزمة قرداحي إياها، أنّ "لبنان يتحمّل المسؤولية تجاه أمن وسلامة الدول العربية كافة" (!).
لا تسرّب الجهات اللبنانية أخباراً بشأن مهرّبي المخدّرات النشطين من لبنان (وسورية)، وما إذا قبَضت على أيٍّ منهم، أم لم تفعل. وهؤلاء كانوا في العام 2021 الذي انقضى ممن أشاعوا "الكبتاغون" بين مفرداته، ما جعلنا، نحن أهل الإعلام والصحافة، نبحث عن أصل هذا المخدّر وفصله، لنلقاه يمنح متعاطيه شعوراً بالراحة، وإنْ مع تقلب المزاج، والتسبّب بشرب الشاي أكثر. تتابعت أخبارٌ غير قليلة منذ إعلان السعودية، في إبريل/ نيسان الماضي، فرضها حظراً على المنتجات الزراعية اللبنانية بعدما صادرت أكثر من 7.8 ملايين حبّة "كبتاغون" في ميناء جدّة، مخفيةً داخل شحنة رمّان. وعلى ما أفادت أوساط لبنانية، فإنّ منشأ الشحنة كان سورية، وأنّ عملية الضبط السعودية تلك تمّت بناء على معلومات من الأجهزة اللبنانية المختصّة. ومعلومٌ أنّ المملكة لمّا صعّدت غضبتها الضروس بعد التصريحات اليمنية للوزير قرداحي (قبل توزيره)، جاء مسؤولون فيها على ما عدّوه تقصيراً رسمياً لبنانياً في وقف عمليات تهريب "الكبتاغون" إليها. مع أنّ استهداف السعودية وعموم دول الخليج بتهريب المخدّرات إليها من لبنان ليس مستجدّاً في غضون قصة قرداحي، وإنّما مستمر منذ عقدين. وفي أرشيف 2021 أنّ ثلاث شحنات، من البرتقال والكاكاو والعنب، ضبطت فيها ملايين الحبّات من "الكبتاغون" في يونيو/ حزيران وأكتوبر/ تشرين الأول وديسمبر/ كانون الأول، لم يكن مُعلناً أنّها قادمة من لبنان، ما دفع مراقبين إلى الحديث عن "قدراتٍ" احتيال خاصّة لدى المهرّبين، إن صحّ أنّهم من لبنان (وسورية). وإذا ظلّ يروق في "السوشيال ميديا"، وفي بعض الإعلام، رمي المسؤوليات في هذا كله على حزب الله، فإنّ صاحب هذه الكلمات يرى أنّ أيّ صحافةٍ تتبنّى هذا الاتهام مدعوّةٌ إلى أن تبنيه على قرائن وأدلةٍ موثقة، في تحقيقاتٍ استقصائية متقنة. ويجري التشديد على هذا، من دون إشاحة البصر عمّا كتبته كارولين روز في "فورين بوليسي" أخيراً، إنّ حزب الله يلعب دوراً داعماً في تزويد منتجي "الكبتاغون" بالخبرة الفنية والغطاء والحماية في أثناء عمليات العبور من سورية إلى لبنان، وإنّ هذا أتاح للحزب مصدر دخلٍ في ظروفه المالية الصعبة حالياً. وبحسب الكاتبة، ساعدت نقاطُ تفتيشٍ يسيطر عليها حزب الله، إلى حد كبير، في منع السلطات اللبنانية من اكتشاف شحنات المخدّر.
ولمّا كان القطاع الزراعي اللبناني يصدّر نحو 55% من منتجاته إلى دول الخليج، فإنّ تأثيراً مدمّراً لحق به بسبب إجراءات الحظر السعودية وبعض الخليجية بشأنه، وهناك تفاصيل منشورةٌ عن أضرار فادحةٍ ضربت تجارة الحمضيات والتفاح والبطاطا والعنب في لبنان، في غضون أزمة اقتصادية حادّة، وارتفاع في نسب الفقر بين اللبنانيين. والبادي في كلّ حال أنّ الحاجة ملحّةٌ وقصوى لشراكة نشطة ويقظة بين أجهزة دول الخليج والأردن (ضَبط أخيرا مليوني حبّة "كبتاغون" مهرّبة من سورية) والعراق مع نظيراتها في لبنان من أجل تطويق الاتساع الظاهر في إنتاج "الكبتاغون" وتصنيعه ثم تمريره ثم تهريبه .. ولعلّ مكالمة الوزير الكويتي نظيره اللبناني تفتح أفقاً في هذا، طالما أنّ الحظر السعودي إياه، وكذا الحصار السياسي على لبنان، لم يغلقا هذه القضية المشكلة.