لاستكمال الاعتراف بدولة فلسطين
يمثل الاعتراف النرويجي والإسباني والأيرلندي بدولة فلسطين انتصاراً دبلوماسياً للقضية الفلسطينية. فعلى الرغم من رمزية هذا الاعتراف، وعدم انعكاسه بشكل مباشر على الوضع الفلسطيني الرسمي، فإنه يفتح الباب أمام مزيد من الخطوات المماثلة التي ستؤدي في النهاية إلى انضمام فلسطين بصفتها دولةً إلى الأمم المتحدة بدل وضعها الحالي عضواً مراقباً، ما يعني فرض واقع وجود دولة فلسطينية بغض النظر عن الرفض الإسرائيلي لذلك.
خطوة الدول الأوروبية الثلاث ليست الأولى، إذ سبق أن اعترفت العديد من الدول الغربية بدولة فلسطين، لكنها تحمل أهمية كبيرة في ظل الوضع الحالي الذي تعيشه القضية الفلسطينية، وحرب الإبادة الجماعية التي تشن على قطاع غزة. ومن المهم أن تكون هناك مفاعيل ملموسة للاعتراف الثلاثي على شكل وجود هيئات دبلوماسية وفتح سفارات وتبادل السفراء، خصوصاً أن الدول الأوروبية التي أعلنت سابقاً اعترافها بالدولة الفلسطينية لم تقدم على مثل هذه الخطوات، وبالتالي بقي قرارها شكلياً.
ولكن، بغض النظر عن المفاعيل التي ستقدم عليها الدول الثلاث، فإن الاعتراف الحالي بالدولة الفلسطينية يجسّد التحول الكبير في الرأي العام الغربي تجاه الواقع الفلسطيني، ويؤسّس لمرحلة سياسية جديدة في التعاطي مع القضية. بدأت المرحلة فعلياً بالتبلور منذ أشهر، وتحديداً مع تصاعد الإجرام الإسرائيلي، إذ شهدنا تغييراً كبيراً في المواقف الدولية التي كانت داعمة لإسرائيل بعد "7 أكتوبر"، لنصل إلى حدود الاعتراف بالحق الفلسطيني بالحصول على دولة. هذا الاعتراف هو إقرار غير مباشر من العالم عموماً، والغرب خصوصاً، بأن ما أدى إلى عملية السابع من أكتوبر هو الظلم الواقع على الفلسطينيين وحرمانهم من دولة مستقلة متحررة من الاحتلال الإسرائيلي.
كان الحديث الغربي دائماً عن الحاجة إلى تطبيق القرارات الدولية الخاصة بفلسطين، وتحديداً إقامة دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو/ حزيران 1967 وفق قرار مجلس الأمن 242، غير أن هذا الحديث لم يخرج من إطار المؤتمرات الصحافية، طالما أنه كان يتعارض مع الرغبات الإسرائيلية الرافضة للانسحاب الكلي من الضفة الغربية والقدس المحتلة، لكن الواقع اليوم يبدو مختلفاً، والاعتراف بدولة فلسطين يأتي في إطار الضغط السياسي على دولة الاحتلال لفرض واقع وجود دولة فلسطينية على إسرائيل أن تتعامل معه.
الشيطان يكمن في التفاصيل، فبقدر أهمية الاعتراف بدولة فلسطين، هناك أهمية أكبر لشكل هذه الدولة ومدى قابليتها للحياة، وعلى أي أراض سوف تكون ومقدار السيادة التي سيسمح لها بممارستها. هذا كله سيكون مرتبطاً بمشاريع المفاوضات التي عاد الحديث عنها بعد العدوان على غزة، والتي تتبنّاها الدول الغربية كافة باعتبارها الوسيلة الوحيدة لقيام الدولة الفلسطينية.
ومن المعلوم أن التجربة الفلسطينية مريرة في المفاوضات بمراحلها كافة منذ ما بعد اتفاقيات أوسلو، ولم تصل إلى النهايات المرجوة فلسطينياً، بل كانت غالباً ما تنهار بسبب التعنت الإسرائيلي والغطاء الغربي المقدم لدولة الاحتلال، سواء تمثل بالدعم الأميركي للمطالب والحجج الإسرائيلية، أو الحياد الأوروبي والابتعاد عن الانخراط بالمفاوضات. بناء عليه، سيكون الاعتراف بالدولة الفلسطينية من دون تغيير عقلية التعاطي مع الشكل الذي ستخرج عليه الدولة الفلسطينية مجرد إنجاز دبلوماسي لا يمكن صرفه على أرض الواقع.
يشير بيان الاعتراف الصادر عن الدول الأوروبية الثلاث إلى ملامح تغيير في النهج الغربي مع تضمنه بعض التفاصيل عن شكل الدولة على الأرض، وهو ما ينتظر أن يطبّق لاحقاً بدور أوروبي فاعل وضاغط في أي مسار تفاوضي لقيام الدولة الفلسطينية.