لا يوجد عمرٌ نخجل منه
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
يثير، في أحيان كثيرة، ظهور بعض الوجوه التي ألفناها بصورة جميلة نضرة، ولكن حين تظهر بعد غياب سنين طويلة (قد تمتد إلى عقديْن وأكثر) عن الأعين، ثم نرى أفعال الزمن بها وما أحدثته السنوات من تغييرٍ ملفتٍ في طلّاتها وانهزام نضارتها، يصاب الجمهور بما يشبه الصدمة، وتنتابه ردودُ أفعال متفاوتة، يعبّر مجملها عن ما يشي باستنكاره لظهور النجم أو الفنان في هذا الوقت، وبهذه السحنة التي غزتها الشيخوخة. ويحدث أن تأتي تعبيرات الدهشة في دفعات جماهيرية مكثفة تكون الشغل الشاغل لوسائل الميديا، كما حصل مع الفنانة ميرفت أمين، وكذلك مع سميرة توفيق ونجلاء فتحي وأخريات وآخرين. حدث الأمر نفسه، حين رأينا صورة الفنان الراحل محمود ياسين قبل وفاته، وكان قد حدث مع شارلي شابلن، حين ظهر في صورة المقعد في أواخر حياته، ومع النجم العالمي مارلون براندو في آخر أدواره في فيلم الهدف (The Score)، حيث بدا واضح السّمنة، وبالكاد يستطيع التحرّك من مكان إلى آخر، حين ظهر في الفقرات القليلة للفيلم جالسا أو نائما.
السؤال الذي يتبادر في مثل هذه الظروف، هل ثمة عمرٌ نخجل منه وآخر نتباهى به؟ لا أظن، فلكل عمر من أعمار الإنسان نكهته وطبيعته، كما له أفراحه وأحزانه. وبالنسبة للنساء والرجال المشاهير على حد سواء، لم تعد فتنة الجسد والإغراء تعنيهم في أواخر أعمارهم، قياساً بأعمارهم في أوقات الشباب والصبا، بل العكس صحيح، لأنهم ربما تخلّصوا من هذا العبء مع تقدّم السنوات، وشعروا بأن عليهم أن يظهروا بالصورة الجديدة ويتحملوا الردود والصدمات التي لا تخصهم بقدر ما تخص الجمهور الذي احتفظ في ذهنه بالصورة القديمة عنهم. كما حدث مثلا حين ظهرت أيقونة الغناء العربي فيروز بعد انقطاع عن الظهور وهي في عمر الثمانين ونيف، ما أثار تساؤلات عن الدواعي لظهورها في هذا العمر، ثم فاجأت جمهورها حين أصدرت ألبوما غنائيا بتلحين ابنها زياد، فانبرت المقارنات بين صوتها في أيام العزّ وصوتها بعد الثمانين. وكأن الفنان يجب عليه أن يتجمّد في زمن معين، ليس فقط صورة وطلّة، إنما أيضا كصوت، فنانا مطربا كان أو أداء إن كان فنانا ممثلا. وكأن النجم ليس من حقه الظهور بعد اعتزاله، أو كأن رأسماله المتمثل في الشباب واللياقة والجمال والفتوة رصيده الوحيد، إن نضب الجمال والحسن عليه، أن يتوارى حتى يتوفاه الله وتأتي ساعته وهو محتفظ في الأذهان بتلك الصورة القديمة الحسنة والنضرة عنه. في حين نجد العديد من الفنانين لا يهتمون بهذا الأمر، فتراهم موجودين في كل الأعمار أمام الشاشات والجمهور، كما حدث مع صباح، التي ظلت تُجري اللقاءات وتبثّ التصريحات حتى آخر عمرها، حتى ظنّ بعضهم أنها أصيبت بالخرَف وهي تصرح بأمور بدت غريبة، من قبيل طلبها أن تزفّ إلى القبر بمعية فرقة موسيقية. نجد أيضا من الفنانين الذين لم يهزمهم الزمن ويقوّسهم مظهرا ومخبرا.
الفنان الراحل فريد شوقي الذي ظل يحمل في هيئته وجسمه لقب وحش الشاشة حتى من دون أن ينطق بذلك، فمن يرى صوره في أواخر أيامه سيلمح إصراره الجسماني على أن تظل هيئته في الأذهان كما كانت في أيام شبابه، ولكن ليس عبر التواري عن الأنظار، إنما العكس، عبر الظهور المستمر، ونستطيع أن نقول إنه ظلّ يؤدي أدواره على الشاشة حتى قبيل وفاته في عمر 77 عاما. وقد أدى أفلاما مهمة في السينما المصرية في أواخر سنوات حياته، مثل "قلب الليل" من إخراج عاطف الطيب، وكان آخر أفلامه قبل عامين من رحيله، وهو "الرجل الشرس" من إخراج ياسين إسماعيل ياسين عام 1996، حيث رحل فريد شوقي عام 1998، وبذلك امتد نشاطه الفني منذ الأربعينيات حتى أواخر التسعينيات، ما يعدّ الأطول تجربة في تاريخ السينما العربية.
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية