لبنان العجيبة وجهنّم
عبارتان تعلقان في الذهن من تقدير الموقف الذي عرضه الرئيس اللبناني، ميشال عون، بصعوبة بالغة في القراءة واللفظ، يوم الاثنين، للاستعصاء الذي وصل إليه تأليف الحكومة في هذا البلد: لبنان ذاهب إلى جهنّم، وحكومة المبادرة الفرنسية تحتاج إلى "عجيبة" (معجزة) لكي تولَد. عبارتان لا تنتميان إلى أي قاموس سياسي، سبقهما وتلاهما تبرّؤ يكرّره عون من المسؤولية عن الخراب الشامل الذي يعم البلد، بما أنّ رئيس الجمهورية، بموجب اتفاق الطائف، لا صلاحيات كافية له، بحسب منطق الرجل، فـ"الآخرون" انتزعوها منه ووزّعوها بين مجلس الوزراء مجتمعاً ورئيس الحكومة منفرداً، وتركوا للرئاسة الأولى رمزية تشريفات وبروتوكولات لا تخرج من حدود استقبال الرؤساء الأجانب على أرض المطار والتقاط الصورة التذكارية. وربما لأن المحيطين الكثر بالرئيس نصحوه بألا يكتفي بالعرض المحايد لآفاق تمسّك حزب الله وحركة أمل بمنصب وزير المالية للطائفة الشيعية من خارج أي دستور أو قانون أو عُرف حتى، فقد اجتهد واقترح حلاً يبدأ بتحرير ربط أي وزارة تُسمى "سيادية"، بأي طائفة، وهو ربطٌ لطالما كان عون وتياره رمزاً له، وقد أخّروا في السابق تشكيل حكومات لأشهر طويلة وعطّلوا البلد لسنوات تحت شعار حصر وزارات معينة، مثل الخارجية، بطائفة معينة، لا بل بشخص معين ليس سوى جبران باسيل إياه.
دقائق قليلة مرّت على خطاب جهنم والعجيبة، كانت كافية ليتصدر وسم "رايحين عجهنّم" هاشتاغات تويتر في لبنان، تحسّراً وتعليقاً وسخرية وشتماً، من دون أن يفهم كثيرون إلى مَن كان ميشال عون يوجه كلامه حقاً؟ إن كان يخاطب الشعب، فهذا يعني أن أمراً ما مطلوب من الناس لكي تحصل العجيبة ولكي لا نذهب إلى جهنم. فعل ذلك سابقاً بمصطلحات مختلفة عندما تحدث من خلف الشاشات إلى الرأي العام الغاضب وحمّله مسؤولية الخراب بسبب انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول الماضي ضد توأمي الفساد والطائفية. في حينها، أهان الناس عندما قال لهم إن مَن يعتقد منهم أن السياسيين جميعاً فاسدون في لبنان، ما عليه إلا الهجرة. إهانة كانت كافية لزيادة قياسية في وتيرة الغضب الشعبي التي ظلت ردّة فعل لم تفرز من يتحدّث باسمها ومن يترجمها إلى فعل سياسي على شكل أحزابٍ جديدة أو تجمعاتٍ تضغط في سبيل إصلاح ما يمكن إصلاحه على نظام سياسي مركّب بطريقة تستحيل معها أي ثورة. أما في خطاب جهنم والعجيبة، فلم يبدُ عون في وارد مخاطبة الناس، فالشوارع تعبت ودُمرت وأفلست على وقع كل ما حصل في أشهُر العام الأسود: الإفلاس المالي، مصادرة ودائع الناس في المصارف، كورونا، تفاقم الفساد، انفجار مرفأ بيروت، شبح الاقتتال الأهلي، تفاقم الانقسام الطائفي العمودي، تغوّل سلاح حزب الله... وصار أسوأ الحلول مقبولاً من منتفضين كثيرين: أن يتمكّن مصطفى أديب من تأليف أسوأ حكومة ممكنة، تلك التي تجمع كل السياسيين الطائفيين الفاسدين في غرفة واحدة اسمها مجلس وزراء، باسم مبادرة إيمانويل ماكرون، فهذا وحده ما يمكن أن يعيد ضخّ بعض الدولارات على شكل قروضٍ وهبات في بلد صار نصف عدد سكانه في عداد الفقراء بحسب أرقام الأمم المتحدة ومعاييرها.
إذاً هل كان ميشال عون يخاطب الشركاء السياسيين بكلام العجيبة وجهنّم؟ أغلب الظن أن الرجل سبق أن قال لهؤلاء وجهاً لوجه ما أعلنه في مؤتمره الصحافي، وجاءه الجواب المعروف من المصرّين على شغل منصب وزارة المالية: صحيح أن سلاح حزب الله يفرض المثالثة في الحكم (بين الشيعة والسنة والمسيحيين) منذ ثلاثين عاماً، لكن المطلوب اليوم بالنسبة لمعسكر إيران في لبنان هو أكثر من ذلك. وزير المالية توقيعه شرط ضروري لصدور أي قرار عن مجلس الوزراء، وبما أن العقوبات الأميركية بدأت تطاول شخصياتٍ لبنانيةٍ تنتمي بالضرورة إلى محور مَن سيشغل هذه الوزارة، فلن نسمح بأن نذهب وحدنا إلى جهنّم، وليرافقنا البلد ومن فيه في رحلتنا إليه، أو ننتظر نتيجة الانتخابات الأميركية بلا حكومة. شيء على وزن المعادلة السورية المعروفة، "الأسد أو نحرق البلد"، لكن مع بعض التنويعات على نسق: "وزارة المالية لكي نترافق إلى جهنم سوية".