لبنان: طريق التغيير طويل
جاءت نتائج الانتخابات اللبنانية الأسبوع الماضي مفاجئة إلى حد كبير، خصوصاً مع المقاعد التي حصدها مستقلون يمثلون ما يسمّى "تيار التغيير" أو "انتفاضة 17 تشرين". أكثر المتفائلين من بين هذه القوى لم يكن يتخيل أن يصل عدد مقاعدها إلى نحو 15 أو 17، إذا تمّت إضافة نائبي صيدا أسامة سعد وعبد الرحمن البزري، بل كان التركيز على الخرق ينصبّ في محافظاتٍ متأرجحة، وتحديداً في بيروت وطرابلس وصيدا، في ظل امتناع سعد الحريري عن الترشّح والمشاركة في الانتخابات. غير أن المفاجأة حصلت، ونجحت هذه القوى في اقتحام مناطق مغلقةٍ تاريخياً لحزب الله وحركة أمل، اللذيْن لم يتمكّنا للمرة الأولى من إيصال نوابٍ غير شيعةٍ إلى المجلس النيابي.
ما حدث في الانتخابات النيابية اللبنانية لجهة وصول هذه القوى "التغييرية" غير بسيط، ولا يمكن التقليل من أهميته، وهو أشهر فعلياً وجود رغبةٍ لدى شريحةٍ واسعةٍ من اللبنانيين في قلب الطاولة على المنظومة السياسية والحزبية الحاكمة في البلاد، وأن التوجهات الانتخابية باتت تحكُمها رؤى جديدة لم تكن ظاهرةً في أيٍّ من الانتخابات الماضية، ولا سيما مع اللعب على الأوتار المذهبية التي كانت دائماً تُؤتي أُكلها في توجيه الأصوات داخل صناديق الاقتراع، الأمر الذي لم ينجح إلى حد كبير في هذه الانتخابات.
ومع أهمية ما حدث، لا يمكن الركون إلى "نشوة الانتصار"، من دون العمل على التأسيس لهذا الخرق في المراحل المقبلة، وتحويله إلى لبنةٍ تغيير حقيقي في المنظومة الحزبية اللبنانية، وهو الأمر الذي يقع على كاهل هذه الشخصيات التي وصلت إلى الندوة البرلمانية، وما إذا كانت فعلياً راغبة في إحداث انقلاب في الحياة السياسية اللبنانية.
ما هو ملقى على عاتق هذه الشخصيات كبير جداً، والأمر ليس متعلقاً بالعمل داخل البرلمان فقط، فالقدرة على إحداث فارقٍ كبيرٍ من داخل المؤسسة التشريعية ليس متاحاً مع وجود الكتل الحزبية الكبيرة، والتي تحكم تحالفاتها مصالح أكبر من الخلافات السياسية المعلنة. وهذه القوى الحزبية، بغض النظر عن خلفياتها السياسية، تنظر إلى الخرق الذي أحدثته القوى التغييرية بكثيرٍ من القلق، وهي ستعمل على إفشال هذه التجربة، تحسّباً لتوسّعه في الاستحقاقات المقبلة.
هذا الأمر لا بد أن يكون حاضراً في أذهان هذه الشخصيات، والتي سيكون عليها السعي فعلياً إلى توحيد الرؤى ومحاولة تكوين "كتلة برلمانية" وازنة، وربما التحوّل إلى نواة تيارٍ جديد على الساحة اللبنانية، تجمعه عناوين الإصلاح وبناء الدولة ومحاربة الفساد، من دون الدخول في متاهات الانقسامات اللبنانية الكثيرة، سواء ذات البعد الإقليمي أو المحلي أو المذهبي، وهي التي تحكم الحياة السياسية في لبنان.
إلى الآن، تبدو هذه القوى التغييرية مدركة لضرورة هذا العمل، فكان الاجتماع الأولي لـ 14 من النواب الجدد في محاولة لتأطير عملهم داخل البرلمان وتوحيد المواقف، سواء لناحية اختيار رئيس مجلس النواب الجديد أو تسمية رئيس الحكومة المرتقب. ورغم أن لا شيء واضحاً بعد في ما يخصّ مخرجات هذا اللقاء، إلا أنه يمكن أن يكون خطوة أولى تتبعها خطواتٌ تساهم في تحقيق هذا الهدف، وهو ما يمكن أن يحدُث قبل موعد الجلسة الأولى للبرلمان المرتقبة خلال أسبوعين.
الأمر الأهم بالنسبة لهذه القوى وناخبيها هو عدم رفع سقف التوقعات من العمل البرلماني حالياً، وحجم التطوير الممكن لهذه القوى إنجازه خلال الأربع سنوات المقبلة، فطريق التغيير يحتاج إلى نفَسٍ طويل، ولا يمكن النظر إلى الإنجاز الذي تحقق حالياً إلا باعتباره بداية، وليس نهاية.