لبنان .. معادلة جديدة وانتصار بالنقاط
كاد لبنان أن ينزلق إلى أتون الحرب الأهلية، ومن المنطقة ذاتها التي انزلق إليها في العام 1975، من منطقة عين الرمّانة شرق بيروت على الخلفية ذاتها. ولكن هذه المرّة مع جهة مختلفة، هي مكوّن أساسي من مكوّنات لبنان، هذه المرّة بين قوى حزبية لبنانية تمثّل مكوّنات طائفية.
ما حصل ظهر يوم الخميس (14 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري)، في منطقة الطيونة عند النقطة الفاصلة بين منطقتي عين الرمانة ذات الأغلبية المسيحية والشيّاح ذات الأغلبية الشيعية من تبادل لإطلاق النار وعمليات قنص أدّت إلى سقوط قتلى وجرحى، صورة من صور الحرب التي كادت أن تنتج خطوط تماسّ بين المنطقتين من جديد، وتعيد لبنان إلى أجواء الحرب الأهلية المشؤومة، ولكن بقدرة قادر تخطّى لبنان هذا القطوع حالياً، من دون أن يعني ذلك انتهاء الأزمة أو الخروج من المجهول.
وبغض النظر عن الأسباب التي قادت إلى هذه الحادثة، وبغض النظر عن الروايات التي ساقها كل طرفٍ وفريقٍ لتبرير فعله أو ردّة فعله، فقد سقط عدد من الضحايا، وجرى ترويع الناس، وتمّ تسجيل خسائر مادية كثيرة في السيارات والمحلات التجارية والمنازل، ولكن الأهم من ذلك كله جرى تثبيت معادلة أو معادلات جديدة لم تكن حاضرة حتى الأمس القريب.
فكرة الإيمان بلبنان الجامع لكل أبنائه تنقصها فكرة الإيمان بالدولة أيضاً
المعادلة الأولى أنّ الجميع لا يريد أن يذهب إلى المكان الذي يشعل فيه الحرب الأهلية أو الفوضى العامة والعارمة، والدليل أنّه على الرغم من حجم الضحايا الكبير (سبعة قتلى)، آثر الفرقاء تفويض الجيش والقوى الأمنية والعسكرية متابعة الموضوع، وعملوا على عدم تطوّر الوضع وانفلاته ولملمة الجراح والانتظار. مرحلياً، هذا يعني أن الجميع ما زال يؤمن بلبنان كيانا لجميع أبنائه، ولا نيّة حالية لأيٍّ من الأطراف الذهاب نحو مشروع تقسيمي أو انعزالي أو انفصالي، بحيث يكون لكل مكوّن من اللبنانيين لبنانه الخاص. هذه نقطة مهمّة وإيجابية، كشفتها الحادثة على مرارتها وضخامة الخسارة التي وقعت.
غير أنّ فكرة الإيمان بلبنان الجامع لكل أبنائه تنقصها فكرة الإيمان بالدولة أيضاً. بمعنى آخر، أن تكون الدولة، عبر مؤسساتها الرسمية، المرجع الذي يحتكم إليه كلّ اللبنانيين على قاعدة المساواة بالحقوق والواجبات. بمعنى آخر، أن لا يكون هناك من يخضع لمنطق الدولة ومؤسساتها، ومن هو خارج منطق الدولة ومؤسساتها. لم تتحوّل هذه الفكرة بعد إلى قناعة راسخة في عقول اللبنانيين أو بعضهم ممن يعتبر أو ينظر إلى المسألة من زاوية أنّ الدولة يجب أن تكون في خدمته، ولو على حساب شركائه بالوطن. ولعلّ في لجوء الأطراف التي انخرطت في صدام الخميس المسلح إلى الجيش ليكون الفاصل والحكم بين المتقاتلين ما يمكن أن يشكّل مدخلاً يعزّز، يوماً بعد يوم، فكرة الدولة ومؤسساتها الجامعة.
المعادلة الأبرز التي ظهرت في صدام يوم الخميس المسلح هي في مسألة الاحتكام إلى السلاح وكسر حصريته، أو بالأحرى عدم القبول بحصرية السلاح بيد الدولة
المعادلة الأبرز التي ظهرت في صدام يوم الخميس المسلح هي في مسألة الاحتكام إلى السلاح وكسر حصريته، أو بالأحرى عدم القبول بحصرية السلاح بيد الدولة. بمعنى آخر، وبغض النظر عن الذي استخدم السلاح في محيط منطقة الطيونة، واعتمد عملية القنص، واستهداف بعض المتظاهرين بعد أن عمدوا إلى تكسير المحلات والسيارات والدخول إلى الأحياء الداخلية لمنطقة عين الرمانة، بغضّ النظر عن هذا الفاعل، حزبياً كان أو منظمّاً أو غير ذلك، إلاّ أنّه كرّس معادلة جديدة، مفادها بأن لا سلاح بيد فئة من اللبنانيين على حساب فئة اخرى تستقوي به في أي لحظة، أو على أقل تقدير تستفيد من طيفه الذي يملأ أجواء لبنان. اليوم هناك معادلة جديدة مفادها بأنّ السلاح يكون بيد الأجهزة العسكرية والأمنية الرسمية فقط أو يكون بيد الجميع، وهو ما أشار إليه ضمناً رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، ورئيس حزب الكتائب، سامي الجميّل، عندما قالا، كلّ على حدة، الشارع سيقابله شارع بعد اليوم.
هل يؤسّس ما حصل والمعادلات الجديدة إلى سلام وحلّ حقيقي في لبنان، تكون فيه الدولة المرجع الصالح للجميع؟ أم ترى هي هدنة واستراحة هشّة، يمكن أن تعود الأمور بعدها إلى الخروج عن نطاق السيطرة؟ أم تشكّل محطةً على طريق رسم خريطة المنطقة، ومنها لبنان؟ أسئلة كثيرة لا تجد إجاباتها بعد، لكن الثابت أنّ لبنان ما زال متأثراً بأحداث المنطقة، وأنّ المعركة الجارية فيها لم تحسم بعد، وإنْ يُسجل كل فريق على الفريق الآخر انتصارات جزئية بالنقاط.