لماذا سلمان رشدي؟
أعاد الاعتداء على الكاتب البريطاني من أصول هندية، سلمان رشدي، إحياء الفتوى الشهيرة التي أصدرها مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية روح الله الخميني في عام 1989، رغم نسيان الكثيرين، ومنهم رشدي نفسه هذه الفتوى التي جاءت في ظرف سياسي معين غير مرتبط بشكل مباشر بالعنوان العريض الذي صدرت من أجله، وهو رواية "آيات شيطانية"، والتي رأى فيها كثيرون محاولة للنيْل من الإسلام ونشأته، حتى وإن لم يقرأوها، على غرار منفّذ الاعتداء هادي مطر، والذي لم يكن أساساً قد ولد وقت صدور الرواية والفتوى. فقد كان كافياً بالنسبة إلى هؤلاء، كما بالنسبة إلى مطر، رأي رجال الدين، ومنهم الخميني، بهذه الرواية ومضمونها.
لكن هذا الرأي، وهذه الفتوى، لم يكونا مرتبطيْن بالدرجة الأولى بالرواية وفحواها، خصوصاً أن هناك كتاباً كثيرين، عرباً ومسلمين، خاضوا في أكثر مما هو مذكور في هذه الرواية، ولم يعمدوا إلى الخيال لفعل ذلك، بل استقوا كتاباتهم من التراث الإسلامي وأمّهات الكتب التي تعدّ إلى اليوم من أسس تكوين العقيدة الإسلامية. أسماء كثيرة، لا داعي لسردها، قدّمت قراءات تاريخية لنشأة الإسلام، وأوردت ما هو أقسى مما ذكره رشدي في روايته، غير أنها لم تُجابَه بفتاوى على غرار تلك التي أصدرها الخميني، رغم المنع الذي طاول أعمالهم، ما يعني أن هذه الكتب والقراءات كان لها جمهورها وانتشارها.
حتى اسم راوية سلمان رشدي "آيات شيطانية" ليس مخترعاً من مخيّلته، بل هو مستقى من كتب تاريخ إسلامية، وفي مقدمتها "تاريخ الطبري"، هذه الكتب أوردت حادثة أو أكثر في مرحلة معينة من الدعوة الإسلامية، وتحديداً في المرحلة المكيّة، حصل خلالها ذكر آيات، ومن ثم حذفها باعتبارها "آيات شيطانية" وليست من الوحي. وهذا الأمر كان أيضاً موضع دراسات وكتب كثيرة سبقت رواية سلمان رشدي التي حملت الاسم نفسه.
إذن، لماذا كان سلمان رشدي هدفاً لفتوى هدر الدم، والتي نُفذت بعد 33 عاماً من صدورها؟ للإجابة عن هذا السؤال ربما يجب العودة إلى المرحلة التاريخية التي صدرت فيها الفتوى، والظروف السياسية التي كانت قائمة في ذلك الحين، وتحديداً بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومشروع تصدير الثورة الذي كانت قائمة عليه. ففي عام 1989 كانت الثورة الإسلامية الإيرانية تعيش انتكاسة هزيمة الحرب أمام العراق بعدما تجرّع الخميني "كأس السم" بإعلانه الموافقة على وقف إطلاق النار مع العراق. حينها خرج الخميني بخطاب إذاعي قال فيه "ويلٌ لي لأنّي ما زلت على قيد الحياة لأتجرّع كأس السّمّ بموافقتي على اتّفاقيّة وقف إطلاق النار". كان ذلك في يوليو/ تموز 1988، والاتفاقية المذكورة كانت القرار الأممي 598، والذي أنهى ثماني سنوات من الحرب بين إيران والعراق. في ذلك الوقت، كانت إيران بحاجة إلى إعادة تثبيت حضورها على الساحة الإسلامية، ليس بين الطائفة الشيعية فحسب، بل على مستوى الإسلام عموماً. وجاءت الفتوى في هذا الإطار "انتصاراً للإسلام"، ولمحاولة إعادة اكتساب دعم الساحة الإسلامية الذي أعقب الثورة الإسلامية في عام 1979، وخصوصاً أن الرواية كانت إلى حد ما تسيء إلى زوجات النبي، ومنهن السيدة عائشة.
وبغضّ النظر عمن يعتبر أن فتوى الخميني جاءت "انتصاراً لنفسه قبل الإسلام"، باعتبار أن الرواية تتحدّث في جزء منها عن "إمام دجّال" ينشر الخراب والدمار، إلا أن الفتوى أتت أكلها وتفاعل معها العالم الإسلامي بمختلف مشاربه، وأعادت الاعتبار لإيران بصفتها "حامية للإسلام". لكن في الوقت نفسه فإن الفتوى وضعت رواية "آيات شيطانية" بمصافّ الكتب الأكثر مبيعاً وقراءة في ذلك الحين، وهي التي كان من الممكن أن تمرّ بشكل عابر، خصوصاً أنها تعدّ من أضعف ما كتب سلمان رشدي. وها هي محاولة الاغتيال اليوم تعيد الرواية إلى الحياة من جديد، وتضعها مجدّداً في مصاف الكتب الأكثر طلباً، حتى أن دور النشر أعادت طباعة نسخ منها.
على هذا الأساس، فإن الفتوى لم تكن إلا أداة سياسية إيرانية في مرحلة تاريخية مفصلية، لكنها في المقابل ساهمت في نشر الإساءة للإسلام أكثر من حمايته.