لماذا كل هذا الخوف من التصدّي لعدوانية إسرائيل؟

17 فبراير 2024
+ الخط -

أصبح هذا السؤال مطروحا بشكل غير مسبوق على مختلف الحكومات العربية والإسلامية بالخصوص. لهذا نعيد طرحه، ليس من باب المزايدة أو رغبة في إدخال المنطقة في دوّامة الحروب الاستعراضية. إنما السؤال فرضته هذه اللحظة التاريخية وبطريقة درامية. لا يستمع نتنياهو لأحد، وتسير حكومته كالفيل في محلٍّ لبيع الخزف، يقتل ويهدم من دون مراعاة أي شيء، لا قوانين ولا مجتمع دولي ولا أخلاق. يريدون هذه المرّة التخلّص من كل الفلسطينيين والعمل على تهجيرهم عبر رفح إلى سيناء رغم أنف الجميع، بمن فيهم مصر التي ينظر إليها العرب والعالم لمعرفة كيف ستتصرف خلال الأيام والأسابيع المقبلة.

رغم تمسّك مصر باتفاقية كامب ديفيد، وحرصها على استمرار السلام مع إسرائيل، إلا أنه، في المقابل، قالها الرئيس عبد الفتاح السيسي وأكد رئيس أركان جيشها: "إما أن تبقى سيناء مصرية أو أن نموت على أرضها ولا نتركها لأحد". مع ذلك، يتواصل تطاول الإسرائيليين على السيادة المصرية بأسلوبٍ مستفزّ، فهم يعلمون أن مصر هي الدولة العربية الأقوى والقادرة على المواجهة. ولكن هل استعدّت القاهرة حقّا للردّ على التحرّشات الصهيونية؟

لا بد من الاعتراف بأن القيادة المصرية أدركت خطورة التحدّي، وهي تتابع ما يحصل على حدود بلادها، ووصفته بتهديد أمنها القومي. وما إقدامها على تحريك دبّاباتها ووضعها على حدود رفح إلا دليل على حالة التعبئة من الجانب المصري الذي وجد نفسه مضطرّا لتوجيه بعض الرسائل الرمزية، عسى أن يفهمها الطرف المقابل، ويأخذها بالاعتبار.

مع أهمية ذلك، تبقى هذه المؤشرات غير كافية لردع الصهاينة عن التمادي في تنفيذ خططهم. فما الذي ستفعله مصر إذا تم جرّها إلى حربٍ مفتوحة قابلة للاشتعال والتمدّد في كل لحظة؟ هل ستقبل بفتح الحدود في حال لجوء هؤلاء الفلسطينيين الهاربين من المحرقة الإسرائيلية فتفتح بذلك الباب أمام النكبة الثانية؟ أم أنها ستتصدّى لهم مستعملةً القوة، وهذا احتمالٌ مستبعدٌ، لأنه سيكون بمثابة المشاركة في المحرقة؟

الحدث كبير ومتشعّب، ويحتاج ردوداً ترتقي إلى حجم الكارثة، فالتاريخ بصدد تسجيل مواقف الأطراف وأفعالها. صحيحٌ أن الذاكرة المصرية لا تزال تحتفظ بهزيمة 1967 التي ما زالت تفعل فعلها، فالقيادة الحالية تخشى كل خطوةٍ غير مدروسة من شأنها إدخال مصر وربما المنطقة في أوضاع معقدة ليست قادرةً على تحمّل نتائجها. لكن في الآن نفسه يفترض، في هذا السياق، استحضار المتغيّرات التي حصلت منذ النكسة. هناك الانتصار الهام الذي تحقق في أكتوبر/ تشرين الأول 1973. وهناك المثال القائم حاليا، وهو الصمود التاريخي الذي حقّقته المقاومة الفلسطينية، وهزّ كيان العدو وأفقده صوابه. صحيحٌ أن الحرب بين الجيوش مختلفة في طبيعتها وأدواتها عن مواجهة حركات المقاومة، وأن إسرائيل المدعومة أميركيا وبريطانيا ستكون قادرةً على توجيه ضرباتٍ مؤلمة، لكن عبقرية الجيش المصري أثبتت تاريخيا قدرتها على مباغتة العدو، وخط بارليف مثال على ذلك. كما أن إسرائيل اليوم مختلفة كليا، وتعيش حالة ارتباكٍ غير مسبوقة.

ليس المطروح حاليا أن تعلن مصر الحرب، فهذا سيناريو مستبعد، وإن كان الواجب يقتضي الاستعداد له. المطلوب من مصر الانتقال سياسيا ودبلوماسيا إلى مرحلة جديدة ومتقدّمة، تتسم بالجرأة الدبلوماسية وإظهار الحزم، والدفع نحو الأمام حتى لا تبقى عرضةً للإحراج من شعبها وشعوب المنطقة. وترفض بقوة أن يستعملها الإسرائيليون ورقةً لمزيدٍ من حشر الشعب الفلسطيني في الزاوية وابتزاز مقاومته الباسلة.

على مصر بالخصوص الاستفادة القصوى من التراجع السريع لمكانة إسرائيل في العالم وأن تستثمر ذلك جيداً، فمن بين الأسئلة المطروحة: كيف سيتم التصرّف مع التحالف الدولي لإغاثة غزّة الذي شرع في شراء مجموعة سفن لحمل المواد الغذائية، والعمل على فتح كل المعابر بما فيها معبر رفح؟ ستواجه إسرائيل هذا الأسطول المدني عسكريا مثلما فعلت في سنة 2010، فماذا سيكون رد الدول العربية المتاخمة لفلسطين، وفي مقدّمتها مصر؟