لن يتجسّس الخاجة على إسرائيل؟
راحت السكرة وجاءت الفكرة. صار للإمارات سفارة في قلب حي المال والأعمال في تل أبيب. باشر السفير محمد الخاجة أعماله من مكتبه الفخم. وعليه الآن، وطاقمه الدبلوماسي، القيام بالمهام التقليدية لأي بعثة دبلوماسية تمثل مصالح بلادها في البلد المُضيف. واحدةٌ من المهام التي تؤدّيها السفارات والبعثات الدبلوماسية، مهمة التجسّس "المُباح" المتعارف عليه في العلاقات بين الدول، حيث تعد هذه البعثات تقارير مفصلة عن الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلد المُضيف، وإرسال هذه التقارير بشكل منتظم إلى وزارات الخارجية في بلدانها. أما درجة أهمية التقارير التي تعدها السفارات فتتراوح بين العادية، مثل التقارير اليومية عن أبرز ما صدر عن وسائل الإعلام للبلد المضيف، إضافة إلى تقارير تتعلق بجوانب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.. إلخ. أما الدور الأهم والأخطر الذي تلعبه السفارات فيكون بالنشاطات السرّية أو التجسّسية على البلد المُضيف، بحيث تخرق البعثات الدبلوماسية الأعراف والتقاليد، وحتى القوانين الدولية، وتجمع معلومات وبيانات سرّية تهم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلد المضيف. واستخدام السفارات، والحصانة الدبلوماسية في أعمال التجسّس ليس سراً في العلاقات الدولية، ولا يقتصر على جمع المعلومات السياسية أو العسكرية أو الأمنية، بل يتعدّى ذلك إلى جمع معلومات تقنية وفنية وصناعية عن البلد المضيف.
لا ندري إن كان التجسّس على إسرائيل، وجمع معلومات سرية عن مختلف القطاعات والأنشطة فيها، يندرج في قائمة المهام المُوكلة من الوزير عبدالله بن زايد للسفير محمد الخاجة وطاقمه الدبلوماسي. لكن الأكيد أن إسرائيل صاحية، وليست سكرانة بنبيذ التطبيع، وستظل عيون مخابراتها (الموساد) مفتوحة على سفارة أبو ظبي في تل أبيب. والأكيد أن إسرائيل التي أعدّت المقرّ الجديد للسفارة الإماراتية وجهّزته في مبنى بورصة تل أبيب لم يفتها تجهيز المقر الدبلوماسي بما يكفي من أجهزة تنصّت ومراقبة تحسِب أنفاس الخاجة، وقد تحبسها وقت الضرورة. في المقابل، وُجد جهاز الموساد في الإمارات العربية منذ سنوات، ولم ينتظر الإسرائيليون تدشين مقر سفارة إسرائيل في أبوظبي، ومباشرة السفير إيتان نائيه مهامه الدبلوماسية التقليدية، للمباشرة في جمع المعلومات السرية عن مختلف القطاعات والأنشطة في الإمارات. والخشية أن يتعدّى نشاط "الموساد" حدود الإمارات إلى دول في الإقليم. وقد عبّرت أوساط مصرية، حسب تقرير نشرته "العربي الجديد" في 20/ 10/ 2020 ، عن مخاوف بسبب حالة الانفتاح الكبيرة في العلاقات بين تل أبيب وأبوظبي، وتحوّل الإمارات إلى مركز إقليمي لجهاز الموساد، وهو ما يمثل خطراً على الأمن المصري. ولا تخفي إيران مخاوفها من تحول الإمارات إلى قاعدة تجسّس إسرائيلية متقدّمة على حدودها، بل تخشى طهران من تحوّل أبو ظبي إلى مركز عمليات إسرائيلي يستهدف مصالحها.
لن يتمكّن السفير الخاجة، وليس من مهامه جمع معلومات سرّية عن النشاطات الإسرائيلية العسكرية أو الأمنية أو حتى الاقتصادية. ولكن، هل سيكون على قدر كافٍ من المسؤولية الأخلاقية لإعداد تقارير عن الممارسات الإسرائيلية العنصرية ضد الفلسطينيين داخل إسرائيل، على اعتبار أن نشاطات إسرائيل الاحتلالية العدوانية في الضفة الغربية وقطاع غزة لا تدخل في النطاق الجغرافي لاعتماده الدبلوماسي؟ هل سيكتب السفير الخاجة إلى وزيره عن حرمان السكان العرب من رخص البناء ورخص ترميم منازلهم، وعن القوانين الإسرائيلية العنصرية التي تحرم سكان الأرض الأصليين من أبسط الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟ هل سيجرؤ السفير الخاجة على رفع تقارير عن نشاطات الاستيطان والتهويد اللذين تمارسهما إسرائيل في القدس المحتلة وضواحيها؟ وهل سيجرؤ على زيارة أهالي الشيخ جرّاح وبطن الهوى وإطلاع حكومته على المحاولات الإسرائيلية لإخراج هؤلاء الفلسطينيين من منازلهم ومنحها لمستوطنين يهود؟ المرجو أن يصحو السفير من سكرة التطبيع، وأن يبرأ من بركات الحاخام شالوم كوهين، وأن يتحلّى بالجرأة والصدق لإطلاع رؤسائه على واقع إسرائيل كما هو، لا كما يطيب لهم.