مآزق خطوط التجارة الهندية... ميناءا حيفا وتشابهار الإيراني ومضيق هرمز
قبيل حرب غزّة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كانت هناك عدّة ملفّات تتبلور سريعاً لإعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط، وعلاقتها بالعالم. من جهةٍ، كان هناك حديث عن موجات تطبيع عربية إسرائيلية جديدة. ومن جهة أخرى، كانت هناك مشاريع ممرّات تجارية دولية جديدة، تربط أوروبا بالشرق الأوسط (العربي)، مع لاعبين اثنيْن بدور مميّز، إسرائيل والهند.
خلطت الحرب الأوراق، وعطّلت المشاريع المختلفة، لكن التصعيد الإسرائيلي الإيراني، ومعه احتمالات الحرب الأوسع، التي قد تتضمّن إقدام إيران على إغلاق مضيق هرمز، جاء ليثير بشكل خاص قلقاً وتفكيراً في شأن ممرّات التجارة في المنطقة، وتبدو الهند في مقدّمة القوى التي قد تعيد كثيراً من حساباتها، وقد يكون لهذا تداعيات إقليمية بعيدة المدى.أدّت حرب غزة إلى تعطيل انطلاقة مشروع "الممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا" (India – Middle East – Europe Economic Corridor - IMEC)، الذي اقترحته الولايات المتحدة في أثناء اجتماعات مجموعة العشرين في الهند، في سبتمبر/ أيلول 2023. كان من المفترض أن يكون جزءاً من انطلاقة هذا الممرّ من خلال ميناء حيفا الذي تديره الهند. ومع تزايد التوتّرات بين إيران وإسرائيل، تتعرّض المصالح الهندية لضغوط إضافية، إذ قد تؤثّر هذه التوتّرات في ميناء تشابهار الإيراني، الذي تشغّله (وتطوّره) الهند بهدف تأمين طريق وصولها إلى دول آسيا الوسطى.
في حال تصاعد الوضع العسكري بين إيران وإسرائيل، قد تُقدِم إيران على إغلاق مضيق هرمز، الأمر الذي يشكّل تحدّياً استراتيجياً واقتصادياً لمسارات التجارة الهندية القادمة من غرب آسيا، وهو ما قد يتسبّب بتعطيل سلاسل التوريد ويزيد من تعقيد الواقع الاقتصادي الهندي في المنطقة.
تسعى نيودلهي إلى تحقيق توازن في تطلّعاتها الاستراتيجية، بالنظر إلى تشابك مصالحها بين غرب آسيا وآسيا الوسطى
الهند والتصعيد في الشرق الأوسط
بدأ التصعيد بين إيران وإسرائيل في 1 إبريل/ نيسان 2024، عندما استهدفت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق، ما دفع إيران إلى الردّ في 14 من الشهر ذاته. وفي 31 يوليو/ تمّوز من العام نفسه، اغتالت إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنيّة، في الأراضي الإيرانية. توعدت طهران بالردّ في "الوقت المناسب". ظلّ الردّ الإيراني معلّقاً حتى 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، بعد أن نفّذت إسرائيل غارةً جوّيةً على الضاحية الجنوبية لبيروت، استهدفت خلالها الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، ونائب قائد عمليات الحرس الثوري الإيراني، عبّاس نيلفوروشان، ما أدّى إلى مقتلهما (27 أيلول/ سبتمبر 2024). أعقب الردّ الإيراني ردّ إسرائيلي جديد في 26 من الشهر ذاته، ما أدّى إلى تصعيد إضافي للأوضاع الأمنية في المنطقة، وزيادة تعقيدها.
أعربت نيودلهي عن "قلقها العميق إزاء تصاعد الأعمال العدائية بين إيران وإسرائيل في غرب آسيا" (الشرق الأوسط)، وكرّرت وزارة الخارجية دعوتها جميع الأطراف المعنية إلى "ممارسة ضبط النفس والعودة إلى الحوار والدبلوماسية". وأكّدت الهند في بياناتها ضرورة "ألّا يأخذ الصراع بعداً إقليمياً أوسع"، وألّا تؤدّي هذه المواجهات إلى "تداعياتٍ تؤثّر في المنطقة وخارجها".
جاءت هذه التصريحات على الرغم من تجاهل الهند القضايا المحورية التي أدّت إلى هذا التصعيد، إذ لم تصدر أيّ بيانات رسمية بعد استهداف القنصلية الإيرانية أو اغتيال هنيّة ونصر الله. يبدو أن ما يشغل نيودلهي بالدرجة الأولى تجنّب أي تصعيد قد يهدّد الاستقرارين، الإقليمي والدولي، ما يفسّر حرصها على استقرار المنطقة مع تجنّب الانخراط المباشر في "تفاصيل الصراع".
يعكس هذا الموقف سعي نيودلهي لتحقيق "توازن" في تطلّعاتها الاستراتيجية، السياسية منها والاقتصادية، بالنظر إلى تشابك مصالحها بين غرب آسيا وآسيا الوسطى. ومع تصاعد التوتّرات والصراعات في غرب آسيا، تخشى الهند من تداعياتٍ سلبيةٍ محتملةٍ على استقرار ممرّاتها الاقتصادية واستدامتها، على المستويين الإقليمي والدولي.
ممرّات اقتصادية
بالنسبة إلى الهند، تقع كلّ من إيران وإسرائيل في منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط)، وتشكّل مشاريعُ الموانئ مع كليهما جزءاً من استراتيجيتها لتعزيز نفوذها الاستراتيجي والاقتصادي في غرب آسيا وآسيا الوسطى. وتسعى نيودلهي من خلال هذه المشاريع لتأمين دور فعّال في التجارتين، الإقليمية والعالمية، وتوسيع حضورها في هذه المناطق الاستراتيجية.
يُعدّ ميناء حيفا بوابةً نحو الدول الأوروبية عبر ممرّ "الهند - الشرق الأوسط - أوروبا"، بينما يمثّل ميناء تشابهار بوابةً للأسواق التجارية الهندية نحو دول آسيا الوسطى. يشكّل هذا الميناء محوراً حيوياً لدعم مشروع "الممرّ الدولي للنقل بين الشمال والجنوب" (International North-South Transport Corridor –INSTC)، الذي يطوّر، بمشاركة الهند وبالتعاون مع روسيا وإيران. يدفع هذا الهند إلى تحقيق توازن استراتيجي بين مصالحها في وسط آسيا وغربها.
في خطوة استراتيجية مهمّة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الهند وإسرائيل، استحوذت الهند على 70% من ميناء حيفا عام 2022، في مناقصة مشتركة مع إسرائيل ضمن عملية خصخصة الميناء وبيعه. وقد مهّد هذا الاستحواذ الطريق لخطوات أوسع تهدف إلى تعزيز الروابط الاقتصادية بين آسيا وأوروبا عبر الشرق الأوسط.
بموجب مذكرة تفاهم عُقدت على هامش قمة مجموعة العشرين في نيودلهي بالهند، في 9 سبتمبر/ أيلول 2023، بين حكومات السعودية والاتحاد الأوروبي والهند والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة، عزم المشاركون فيها على العمل معاً لإنشاء الممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. ووفقاً لبيان اجتماع إعلان المبادرة، سيتألف "من ممرَّين منفصلَين، الممرّ الشرقي الذي يربط الهند بالخليج العربي والممرّ الشمالي الذي يربط الخليج العربي بأوروبا. وسيشمل خطّاً للسكك الحديد سيوفر عند اكتماله شبكةَ عبور موثوقة وفعّالة من حيث التكلفة عبر الحدود من السفن إلى السكك الحديد لتكملة طرق النقل البحري والبرّي الحالية، ما يتيح عبور البضائع والخدمات من الهند وإليها وبينها، والإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل وأوروبا". ويأمل المشاركون "أن يؤدّي الممرّ إلى زيادة الكفاءة، وخفض التكاليف، وتعزيز الوحدة الاقتصادية، وتوليد فرص العمل، وغيرها، ما يؤدي إلى التكامل التحويلي لآسيا وأوروبا والشرق الأوسط".
من غير الممكن تجنّب التداعيات الناجمة عن توقف إمدادات النفط في حال إغلاق مضيق هرمز
لكن بدء الاستثمار في مشروع الممرّ الاقتصادي المقترح بين "الهند والشرق الأوسط وأوروبا" يظلّ مرهوناً بالتوتّرات الجيوسياسية في منطقة غرب آسيا. بعد 28 يوماً من إعلان مبادرة الممرّ الاقتصادي الجديد، اندلعت حرب غزّة، ما أدّى إلى تعليق الجدول الزمني لبدء الاستثمار في المشروع. إذ اتفق المشاركون في اجتماع إعلان المبادرة على أنه "خلال الستّين يوماً المقبلة، من إعلان المبادرة، ستُوضع خطّة عمل مع الجداول الزمنية ذات الصلة والالتزام بها".
كانت الهند وشركاؤها (إسرائيل والولايات المتحدة) تعوّل على بدء تفعيل المشروع الاقتصادي الجديد عبر ميناء حيفا، إلّا أن استمرار تصاعد تداعيات حرب غزّة، وما رافقه من حظر بحري فرضته جماعة أنصار الله (الحوثيون) منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 من خلال استهداف السفن المتّجهة إلى موانئ فلسطين المحتلّة، أدّى إلى ارتفاع تكاليف تأمين عمليات الشحن في الموانئ، بما في ذلك ميناء حيفا. في الوقت نفسه، أصبح ميناء حيفا هدفاً مع ارتفاع وتيرة المواجهة بين إسرائيل وحزب الله في لبنان من الشمال، بعد أن استهدف حزب الله حيفا في سبتمبر/ أيلول 2024، وهي المرّة الأولى التي يحدُث فيها هذا منذ 2006.
رغم الميّزات الأمنية الكاملة لميناء حيفا، وهو ما أكّدته شركة أداني للموانئ، التي تدير الميناء بشراكة إسرائيلية، وصرّحت بأن لديها خطّةً لاستمرارية الأعمال، إلّا أن تقاريرَ إسرائيلية أكّدت أنه "لا يمكن ضمان فعّالية منظومات الحماية بشكل مُحكَم ومطلق"، وفقاً لمتحدّثين من الجيش الإسرائيلي. وحذّرت هذه التقارير من تداعيات استهداف ميناء حيفا على البحر المتوسط، "مشيرة إلى أن ميناء أشدود لا يمكن أن يشكّل بديلاً من ميناء حيفا بسبب محدودية قدرته على استيعاب الحاويات".
في هذا المنعطف، يمكن اعتبار المخاوف الأمنية والاقتصادية المتعلّقة بميناء حيفا، في ظلّ تصاعد المواجهات في غرب آسيا، من العوامل التي دفعت الهند إلى تعزيز مشاريعها السابقة في الموانئ، مثل ميناء تشابهار الإيراني، الذي بدأت تعمل عليه منذ عام 2003. إذ يُعدّ هذا التوجّه خطوةً بديلةً أوّليةً تدعم الاستراتيجية التجارية للهند في المنطقة، ما يتيح لها خيارات استراتيجية متعدّدة في ظلّ تزايد التوتّرات.
في مايو/ أيار 2024، اتّخذت الهند خطوةً غير مسبوقة منذ إطلاق مشروع ميناء تشابهار، فوقّعت اتفاقيةً طويلةَ الأجل لتطوير الميناء وتشغيله عشر سنوات. ويُذكر أن الهند أنشأت ممرّاً تجارياً يربطها بأفغانستان وآسيا الوسطى عبر إيران، من دون الحاجة للمرور بباكستان، وفقاً لاتفاقية ثلاثية بين هذه الدول عام 2016.
نظراً إلى الموقع الاستراتيجي الحيوي لميناء تشابهار، الواقع على السواحل الجنوبية الشرقية لإيران، والمطلّ على خليج عُمان وبحر العرب والمحيط الهندي، تستطيع الهند الوصول إلى الأسواق التجارية في آسيا الوسطى. وفي الوقت نفسه، يتيح هذا الميناء تحقيق تواصل تجاري أوسع يمتدّ إلى جنوب آسيا، عبر مشروع "الممرّ الدولي للنقل بين الشمال والجنوب"، الذي وقّع اتفاق إنشائه عام 2000 بين الهند وإيران وروسيا، وصُدِّق عليه عام 2002.
يشمل هذا الممرّ مساراتٍ عدّة بمشاركة مجموعة من الدول، وتنقل البضائع عبر المسار البحري من الموانئ الهندية (مثل ميناء مومباي) إلى موانئ في إيران (مثل ميناء بندر عبّاس). بعد ذلك، تنقل البضائع برّاً من إيران إلى أذربيجان، ومن ثمّ إلى روسيا. ومن خلال شبكات السكك الحديد بين إيران وروسيا، تنقل البضائع إلى دول في أوروبا وآسيا بعد وصولها إلى روسيا.
تعتبر الهند مضيق هرمز مساراً حيوياً لاستمرار تدفّق إمداداتها النفطية والغازية من منطقة غرب آسيا
تحدّيات لوجستية
في حال تصاعد التوتّرات بين إيران وإسرائيل، قد يواجه ميناء تشابهار تحدّياتٍ لوجستية تعوق عمليات تطويره وتشغيله المستدام. إلى جانب ذلك، يواجه مشروع "الممرّ الدولي للنقل بين الشمال والجنوب" تحدّياً آخرَ على المسار البحري المرتبط بميناء بندر عبّاس المطلّ على الخليج العربي، شمال مضيق هرمز. فمع احتمال حدوث تصعيد عسكري بين إيران وإسرائيل، قد تلجأ إيران إلى إغلاق المضيق، ما سيؤدّي إلى تعطيل حركة النقل البحري في المنطقة ويهدّد استمرارية مشروع "الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب".
يقع مضيق هرمز بين الخليج العربي وخليج عُمان، ومنه إلى بحر العرب، وصولاً إلى المحيط الهندي، ثمّ إلى مواقع أخرى من العالم. وفقاً لبيانات وكالة الطاقة الدولية، يُعدّ مضيق هرمز ممرّاً حيوياً للتجارة العالمية؛ يمرّ عبره نحو 20 مليون برميل من النفط ومشتقّاته يومياً، ما يشكّل حوالى 30% من تجارة النفط العالمية. وبالنسبة إلى الغاز الطبيعي، يمرّ عبر المضيق نحو 20% من إجمالي الصادرات العالمية، معظمه قادم من قطر. يُصنّف مضيق هرمز ثالثَ أكثر ممرّ مائي في العالم أهميةً، يمرّ عبره حوالى 11.1% من حجم التجارة العالمية، ما يُبرز مكانته الاستراتيجية في حركة الطاقة والتجارة الدولية.
بدائل لتصدير النفط
تعتمد إيران على جزيرة خرج بنسبة 90%، وعلى جزيرة لاوان وميناء بندر عبّاس بنسبة 10%، لتصدير نفطها. تقع هذه المواقع الاستراتيجية بالقرب من مضيق هرمز، حيث تقع جزيرة خرج شمال المضيق، وجزيرة لاوان شمال غربه، وميناء بندر عبّاس إلى الشرق منه. ومع ذلك، هناك توقّعات تُشير إلى إمكانية إقدام إيران على إغلاق المضيق في حال تصاعد التوتّر مع إسرائيل. وفقاً لموقع Tanker Trackers المتخصّص في تتبّع الناقلات، رست الناقلة الإيرانية Dune في محطّة جاسك، حيث حملت شحنة نفط في سبتمبر/ أيلول 2024، وتوجّهت نحو سنغافورة. تعكس هذه الخطوة مساعي إيران لإيجاد بدائل لتفادي مضيق هرمز. تقع محطّة جاسك، التي افتُتحت عام 2021، في محافظة هرمزكان جنوبيّ إيران خارج مياه الخليج العربي، وعلى ساحل بحر عمان، متفاديةً بذلك عبور مضيق هرمز، لكنها لم تكن نشطة حتى الآونة الأخيرة.
تعتبر الهند مضيق هرمز مساراً حيوياً لاستمرار تدفّق إمداداتها النفطية والغازية من منطقة غرب آسيا. يمتدّ هذا المسار عبر سلسلة مائية تربط بين المضيق والسواحل الهندية، ما يضمن وصول الطاقة إلى الهند بانتظام. من خلال مضيق هرمز، تتدفّق إمدادات النفط والغاز من دول الخليج إلى الهند ودول أخرى. ووفقاً لتقرير قناة First Post الهندية، يأتي نحو 46% من واردات النفط و70% من واردات الغاز في الهند من هذه المنطقة، وغالباً ما تمرّ عبر هذا المضيق.
وفي هذا المنعطف، من غير الممكن تجنّب التداعيات الناجمة عن توقف إمدادات النفط في حال إغلاق مضيق هرمز، إذ سيؤدّي ذلك إلى تعقيد سلاسة الإمدادات النفطية من بعض دول غرب آسيا.
توازن استراتيجي
رغم أن الهند قد تتمكّن من تقليل بعض تداعيات إغلاق مضيق هرمز، إلّا أن هذه القدرة ليست كاملة. فعلى سبيل المثال، يمكن للهند التنسيق مع السعودية عبر خط أنابيب الشرق - الغرب (بترولاين)، الذي يتفادى عبور مضيق هرمز. ويمتدّ هذا الممرّ من بقيق في شرق السعودية مروراً بالأراضي السعودية، وصولاً إلى ميناء ينبع في ساحل البحر الأحمر غرباً. ومن هناك، يمكن شحن النفط عبر باب المندب وخليج عدن إلى المحيط الهندي، ومن ثمّ إلى السواحل الهندية، لكنّ هذا المسار سيزيد من تكاليف الشحن ومدّة التوصيل، بالإضافة إلى التحدّيات الناتجة من الحظر البحري في البحر الأحمر الذي تفرضه جماعة الحوثي.
تستطيع الهند الوصول إلى الأسواق التجارية في آسيا الوسطى. ويتيح لها ميناء تشابهار الإيراني تحقيق تواصل تجاري أوسع يمتدّ إلى جنوب آسيا
كذلك، تستطيع الهند التنسيق مع الإمارات عبر خطّ أنابيب حبشان - الفجيرة الإماراتي، الذي يتفادى مضيق هرمز، وينقل هذا الخطّ النفط من حقل حبشان في أبوظبي إلى ميناء الفجيرة المطلّ على خليج عمان. من هناك، يمكن نقل الشحنات عبر بحر العرب والمحيط الهندي حتى تصل إلى السواحل الهندية. مع ذلك، يواجه هذا الخيار تحدّيات تتعلّق بالجدوى الاقتصادية؛ إذ إن السعة النفطية المتاحة (1.5 مليون برميل يومياً) عبر هذا الخطّ مخصّصة للتصدير إلى دول أخرى في جانب الهند، ما قد يحدّ من القدرة على تلبية الطلب الهندي بالكامل.
وفي ما يخص إيران، تستطيع الهند التنسيق مع طهران للاستفادة من محطة جاسك الإيرانية، التي تمتلك سعة تخزينية تصل إلى عشرة ملايين برميل من النفط الخام، وقدرة تصدير تصل إلى مليون برميل يومياً. ومع ذلك، ليست هذه القدرة مخصّصة للهند وحدها، ما قد يحدّ من حجم الإمدادات التي يمكنها الاعتماد عليها. أمّا ميناء تشابهار، الذي يقع خارج مضيق هرمز، فما زال في مراحل التطوير والتشغيل، ما يقلل من قدرته الحالية على توفير بديل كامل ومستدام للإمدادات النفطية الهندية.
ورغم وجود بعض الخيارات المتاحة للهند مع السعودية والإمارات وإيران، تبقى هذه البدائل غير ممكنة لدول أخرى مثل العراق وقطر، اللتين تعتمدان كلّياً على مضيق هرمز لتصدير نفطهما.
تواجه نيودلهي تحدّياً كبيراً يتمثل بتحقيق "توازن" استراتيجي بين إيران وإسرائيل؛ إذ تربطها علاقات استراتيجية وثيقة بالطرفَين، ما يمنحها فرصاً وتحدّيات تحكمها عوامل متنوعة ومتشابكة. تضع هذه المعادلة الهند أمام تحدٍّ دائمٍ للحفاظ على "توازن" يُسهم في استقرار علاقاتها بإيران وإسرائيل في آن واحد. وتسعى نيودلهي، من خلال مشاريع الموانئ المشتركة مع إيران وإسرائيل، لبناء خطوط تجارية استراتيجية تصل إلى غرب آسيا، وآسيا الوسطى وجنوبها، وصولاً إلى الأسواق الأوروبية. يبرز هذا التوجّه من خلال ميناء تشابهار الإيراني و"الممرّ الدولي للنقل بين الشمال والجنوب" بمشاركة إيران، وأيضاً ميناء حيفا والممرّ الاقتصادي الجديد بين "الهند والشرق الأوسط وأوروبا" بمشاركة إسرائيل.
في المقابل، تواجه الهند أصعب اختبار لهذا التوازن في غرب آسيا، خصوصاً إذا تصاعدت المواجهة بين إيران وإسرائيل، ما قد يؤدّي إلى تعطيل سلاسل التوريد عبر الممرات الاقتصادية الهندية. ومع ارتفاع أسعار النفط وتكاليف الإنتاج والنقل، نتيجة تغير مسارات الشحن، تزداد التحدّيات التي تفرض قيوداً إضافية على الجدوى الاقتصادية والقدرة التشغيلية لبعض الحلول البديلة المتاحة أمام الهند، فضلاً عن عرقلة استدامة تطوير مشاريعها الاستراتيجية في الموانئ.