ماذا سيقدّم الأسد لمن انتخبوه؟
الآن، وقد أعاد بشار الأسد انتخاب نفسه رئيساً على سورية، في عملية بدت مهينة لأنصاره بالدرجة الأولى، لما انطوت عليه من إذلال جرّهم مثل الماشية إلى صناديق الاقتراع، وإجبارهم على الرقص وترديد الأهازيج، تحت طائلة قطع رزق من لا يفعل ذلك من موظفين وعساكر، ماذا بعد ذلك؟
لا شيء في أفق البلاد التي حوّلها الأسد وحلفاؤه إلى خراب، لا أمل ولا عمل، ولا حتى الحصول على الكفاف وملء البطن، ولا أمان في بلادٍ تغولت فيها أجهزة الأمن وصارت مجرّد ماكينة قتل واعتقال، تحتاج دائما إلى وجود ضحايا لضمان استمرارية صلاحية مسنّناتها، حتى لو أدّى الأمر إلى اعتقال أشد المناصرين للنظام، كما فعلت الأجهزة في الأشهر الأخيرة باعتقالها عشرات المؤيدين، بحجة كتابتهم لتعليقات تنتقد أداء حكومة الأسد، وليس الأسد شخصياً، في الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلد.
لم يعد السؤال، منذ زمن بعيد، ماذا في وسع الأسد أن يقدّمه لحل الأزمة التي أدخل سورية بها، بما ينتج عن ذلك تفكيك أزمات عديدة نشأت على الهامش، مثل أزمة اللاجئين في دول الجوار، وعلى حدود تركيا، والذين يعيش أغلبهم في ظروفٍ يمكن وصفها باللاإنسانية، ولا أزمة ملايين النازحين الذين دمّرت مدنهم وأحياؤهم، وباتوا هائمين على وجوههم داخل سورية، بدون أدنى إمكانية للمساعدة في مواجهة هذه الظروف، سوى ما يقدمه ذووهم في بلاد اللجوء من مساعدات، بعد أن يقتطع الأسد جزءاً منها، في ما يشبه الخوة التي يتحصل عليها فتوّة الحارة.
سابقا كان من السهل على نظام الأسد حل مشكلة أنصاره، عبر التوظيف في مؤسسات الدولة السورية، ولكن اليوم ماذا يقدّم لهم بعد أن أفلست الدولة نفسها؟
يدرك أصحاب هذه القضايا أن الأسد عاجزٌ عن تقديم أدنى حل لأزماتهم المذكورة، بل هو يقصد عدم إيجاد حلول لهذه الأزمات لأسبابٍ لم تعد خفية، فالأسد الذي لم يخف يوماً فرحه بالتجانس الديمغرافي، لا يزال يرى في سوريين كثيرين باقين في سورية ما يعكر صفو ذلك التجانس، لذا لا وسيلة للخلاص منهم سوى تصعيب ظروف حياتهم إلى أبعد الحدود، وإقفال جميع طرق المستقبل في وجوههم، ليتسربلوا خارج البلاد، ويقول لهم بالسر والعلن: لن أقدّم لكم شيئاً، ألم يطلب وزير خارجيته فيصل المقداد من اللاجئين السوريين في لبنان القدوم إلى سورية للتصويت في انتخابات الأسد ومن ثم العودة إلى لبنان؟ ومعلوم أن هؤلاء اللاجئين، إذا لم تعتقلهم أجهزة الأسد الأمنية وتنكّل بهم، سيضطرون لدفع كامل المعونة التي يتحصّلون عليها من مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، أجرة انتقالهم من بيروت إلى دمشق ثم العودة، كما سيطالبهم النظام بصرف مائة دولار بأسعار تصريفه المنخفضة.
السؤال إذاً، ماذا سيقدّم الأسد لما تسمى "بيئته الحاضنة"، أو المتحمّسين لبقائه في السلطة سبع سنوات أخرى، وقد عانت تلك البيئة، مثل بقية البيئات السورية الأخرى، من شظف العيش نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة. صحيحٌ أن أفرادا من هذه البيئة استطاعوا تدبير أنفسهم، من خلال الانخراط باقتصاد الحرب وشبكات تهريب البشر والسلع، والتعفيش أو السطو على المناطق التي يتم تهجير سكانها، لكن تلك كانت حلولاً فردية في الغالب، كما أن عوائدها الحقيقية كانت لصالح أمراء الحرب والفئات الجديدة الصاعدة في هذه المرحلة.
كل سوري، موال ومعارض، ذهب مجبراً للمشاركة في انتخابات الأسد، فسنوات الحرب المديدة لم تترك شيئاً مستوراً
سابقاً، كان من السهل على نظام الأسد حل مشكلة أنصاره، عبر التوظيف في مؤسسات الدولة السورية (القطاع العام)، إلى درجة أن هذه المؤسسات تضخمت بشكل جنوني، حيث بلغ مثلاً حجم الموظفين في المؤسسات الإعلامية (ثلاث صحف رسمية وهيئة الإذاعة والتلفزيون) آلافا من الموظفين، وقد يمضي المحرّر الصحافي عمره الوظيفي من دون أن يحرّر مادة واحدة، وكذلك الأمر في باقي المؤسسات، التعليم والري والزراعة وسواها. أما المقرّبون وأصحاب الواسطة فكان النظام يضعهم في مؤسساتٍ وأماكن تعود عليهم بمردود عالٍ بسبب فرص الفساد التي يحصلون عليها في تلك المؤسسات.
لم يعد هذا الحل متوفراً لدى النظام، بسبب انخفاض قيمة العملة، حيث أصبحت المرتبات لا تساوي أكثر من عشرين إلى ثلاثين دولاراً، مقابل أزمة غلاء حادّة في أسعار السلع والحاجيات الضرورية، بل وبات أبناء البيئة الموالية يحسدون الطرف الآخر، لأن له من يسنده في الخارج، أولئك الهاربين، أو قل الناجين من قوائم موت الأسد، الذين ركبوا البحر هرباً من موت محقق لكثيرين منهم، والذين يرسلون إلى ذويهم ما تيسر من مساعدات. وللمفارقة، هؤلاء، وليس روسيا وإيران، هم من باتوا بتحويلاتهم، التي بلغت في شهر رمضان الماضي، حسب مصادر سورية، حوالي مليار دولار، يجعلون البلد قادرا على الوقوف على أقدامه.
أصبحت سورية حكراً على الأسد والفئات التي صعدت في أثناء الحرب
كل سوري، موال ومعارض، ذهب مجبراً للمشاركة في انتخابات الأسد، فسنوات الحرب المديدة لم تترك شيئاً مستوراً. بات لدى السوريين، من كل الجهات، علم بأن البلاد أصبحت حكراً على الأسد والفئات التي صعدت في أثناء الحرب، وقد شكل هؤلاء ثروات هائلة على حساب جوع السوريين وفقرهم. أما البيئة الموالية فقد انتهى دورها مع توقف المدافع، وبعدما نزفت جيلاً كاملاً على مذبح كرسي الأسد، وما عليها اليوم سوى البحث عن مخارج لأزمتها، كأن يركب أبناؤها البحر هرباً إلى قبرص، أو أي جهة أخرى.
لو كان للسوريين أن يختاروا، فلن يختاروا من يعرفون، حقّ المعرفة، أن جوعهم سيستمر سبع سنوات أخرى في ظل سلطته، فلا الغرب سيوقف عقوباته، ولا العرب سيقدّمون لهم ما يسد رمقهم، بينما ستزداد أرصدة روسيا وإيران من أراضي سورية وثرواتها.